وانصرف جرير مغضباً فلما كان العشاء صلى ؛ وكان منزله في علية ؛ فقال : ارفعوا لي باطية من نبيذ وأسرجوا لي ! .
ففعلوا فجعل يهينم فما زال حتى إذا كان السحر فإذا بها ثمانين بيتاً ولما بلغ إلى قومه : .
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا .
وثب وثبة دق رأسه السقف وقال : أخزيته والله ! .
فضحته والله غضضته ! .
ثم أتى مجلسهم وهو راكب حصانه ؛ فأنشدها فلما فرغ منها قال لأصحابه : ركابكم ركابكم ! .
فضحكم جرير فليس لكم هنا مقام ! .
فقالوا له : شؤمك وشؤم ابنك جندل ! .
فحلفوا أنهم لما وصلوا إلى أهلهم وجدوا قول جرير قد سبقهم إليهم فتشاءم بهما بنو نمير وسبوهما .
ابن عبدوس : قاضي قرطبة أحمد بن عبد الله .
أبو محمد المغربي .
عبيديس . ذكره حرقوص في كتابه فقال : هو مطبوع مجود سهل الشعر . وهو فيما ذكر لنا من أسرع الناس قولاً وأعجبهم بديهة يستغني بالبديهة عن الروية ؛ قال له يوماً ابن سودال وهو صحبة القائد أبي العباس في بعض غزواته لما انصرفوا : أبا محمد ! .
عفا الله عنك أنت منصرف إلى موضعك ونحن ضيوفك فأتحفنا ببعض طرائف حصنك ولا تنسنا من هدايا موضعك ! .
فلما انصرف إلى حصنه كتب إلى ابن سودال وفيه : .
بعثت إذا خرجت من مالي ... وصرت في فقر وإقلال .
للحية القرنان سودال ... من الخرا خمسة أرطال .
وكتب عبيديس للملوك ببلاد الغرب . ومن شعره : .
يا غزالاً وهلالاً ... خلقا خلقاً عجيبا .
وقضيباً وكثيباً ... جمعا قداً غريبا .
قد غضضنا دونك ... الألحاظ خوفاً أن تذوبا .
كلما زدناك لحظاً ... زدتنا حسناً وطيبا .
ومنه يهجو سودالاًً : .
كأني أرى شاعر العسكر ... يصب القريض من المبعر .
ويرشق من قوس وجعائه ... بسهم يقرطس في المنخر .
المعمر .
عبيد بن شرية . الجرهمي بفتح العين المهملة وكسر الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة وسكون الراء وبعدها ياء آخر الحروف .
قال هشام ابن الكلبي : عاش ثلاث ماية سنة وأدرك الإسلام وأسلم .
ودخل على معاوية وهو بالشام خليفة فقال له : حدثني بأعجب ما رأيت ! .
فقال : مررت ذات يوم بقوم يدفنون ميتاً فلما انتهيت إليه اغرورقت عيناي بالدموع فتمثلت بقول الشاعر : .
يا قلب إنك من أسماء مغرور ... فاذكر وهل ينفعنك اليوم تذكير .
قد بحت بالحب ما تخفيه من أحد ... حتى جرت لك أطلاقاً محاضير .
فلست تدري ولا تدري أعاجلها ... أدنى لرشدك أم ما فيه تأخير .
فاستقدر الله خيراً وارضين به ... فبينما العسر إذ دارت مياسير .
وبينما المرء في الأحياء مغتبط ... إذا هو الرمس تعفوه الأعاصير .
يبكي الغريب عليه ليس يعرفه ... وذو قرابته في البيت مسرور .
وزاد ابن عساكر في روايته : .
وذاك آخر عهد من أخيك إذا ... ما المرء ضمنه اللحد الخناشير .
قلت : الخنشير بالخاء المعجمة والنون والشين المعجمة هو الذي يتبع الجنازة ! .
فقال لي رجل : أتعرف من يقول هذا الشعر ؟ قلت : لا ! .
قال : قائله هذا الذي دفناه الساعة وأنت الغريب الذي ليس تعرفه وتبكي عليه وهذا الذي خرج من قبره أمس الناس رحماً به وأسرهم بموته ! .
فقال معاوية : لقد رأيت عجباً ! .
فمن الميت ؟ قال : هو عثير بن لبيد العذري قلت : هو بكسر العين المهملة وسكون الثاء المثلثة وفتح الياء آخر الحروف وبعدها راء .
وذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق وقال : قال له معاوية : كم أتى عليك ؟ قال : مايتان وعشرون سنة . وذكره محمد بن إسحاق في الفهرسة قال : وعاش إلى أيام عبد الملك بن مروان . وله من الكتب : كتاب الأمثال كتاب الملوك وأخبار الماضين . قال غير ابن النديم : كان عبيد يروي عن الكيس النمري وابنه زيد بن الكيس وعن عبد ود الجرهمي وعن الكسير الجرهمي .
ابن أبي الجليد .
يعرف بابن أبي الجليد بالجيم وبعد اللام ياء آخر الحروف ودال مهملة .
نحوي من أهل المدينة . وكان أبو الجليد أعرابياً بدوياً علامة . وكان الضحاك ابن عثمان يروي عنه . وأبو الجليد هو القائل وقد رأى جارية سوداء غليظة الجسم :