فأفصح القبر عنهم حين ساءلهمْ : ... تلك الوجوه عليها الدود يَقْتَتِلُ .
قد طال دهراً ما أكلوا وما شربوا ... فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا .
فأشفق من حضر على عليّ وخافوا أنَّ بادرةً تبدر إليه ؛ فبكى المتوكّل بكاءً طويلاً حتَّى بلَّت دموعه لحيته وبكى من حضره . ثمَّ أمر برفع الشراب وقال : يا أبا الحسن أعليك دين ؟ قال : نعم أربعة آلاف دينار . فأمر بدفعها إليه وردَّه إلى منزله مكرَّماً وكان المتوكّل قد اعتلَّ فقال : إن برأت لأتصدَّقنَّ بمال كثير . فلمَّا عوفي جمع الفقهاء وسألهم عن ذلك فأجابوه مختلفين . فبعث إلى عليٍّ الهادي فقال : يتصدَّق بثلاثة وثمانين ديناراً . قالوا : من أين لك هذا ؟ قال : لأنَّ الله تعالى قال : " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة " وروى أهلنا أن المواطن كانت ثلاث وثمانين موطناً . ومولده يوم الأحد ثالث عشر شهر رجب وقبل يوم عرفة سنة أربع وقيل سنة ثلاث عشرة ومائتين . وتُوفي بسرَّ من رأى يوم الاثنين لخمس بقين من جمادى الآخرة وقيل لأربع بقين منها وقيل في رابعها وقيل في ثالث شهر رجب سنة أربع وخمسين ومائتين .
الحافظ بن السقَّاء .
علي بن محمد بن علي بن حسين بن شاذان الحاكمُ أبو الحسن ابن السقَّاء الحافظ الإسفراييني المحدّث الثقة من أولاد الشيوخ . توفِّي سنة أربع عشرة وأربع مائة .
العلوي الحنبلي المقرئ الصالح .
علي بن محمد بن علي أبو القاسم العَلَوي الحسيني الزيدي الحرَّاني الحنبلي السُّني المقرئ . كان صالحاً كبير القدر . توفِّي سنة ثلاث وثلاثين وأربع مائة .
الصُّليحي صاحب اليمن .
علي بن محمد بن علي الصُّلَيحي - بضم الصاد المهملة وفتح اللام وسمون الياء آخر الحروف وبعدها حاء مهملة - القائم باليمن . كان أبوه محمد قاضي اليمن سنِّيَّ المذهب وكان أهله وجماعته يطيعونه . وكان الداعي عامر بن عبد الله الزَّواخي يلاطفه ويكتب إليه ويركب إليه لرياسته وسؤدده وعلمه وصلاحه فلم يزل عامر المذكر إلى أن استمال قلب ولده علي وهو دون البلوغ ولاحت له فيه مخايل النجابة . وقيل كانت عنده حِلية الصليحي في كتاب الصُوَر من الذخائر القديمة فأوقفه على تنقّل حاله وأمره بكتمان أمره عن أهله وأوصى له بكتبه . ورسخ في ذهن علي من كلامه ما رسخ وعكف على الدرس وكان ذكيًّا فما بلغ حتَّى تضلّع من العلوم . وكان فقيهاً في مذهب الإمامية بصيراً بالتأويل . ثمَّ إنَّه صار يحجّ بالناس دليلاً على طريق السَّراة والطائف خمس عشرة سنة . وكان الناس يقولون له : بلغنا أنَّك تملك اليمن جميعه فينكر هذا القول . وشاع ذلك في أفواه الناس فلمَّا كان في سنة تسع وعشرين وأربع مائة ثار في رأس مسار وهو أعلى ذروة في جبال اليمن ومعه ستون رجلاً قد حالفهم بمكَّة في موسم سنة ثمان وعشرين على الموت والقيام بدعوته وما منهم إلاَّ من هو من قومه وعشيرته في مَنَعَة وعدد كثير . ولم يكن في ذروة الجبل إلاَّ قُلَّةٌ منيعة فلمَّا ملكها لم ينتصف النهار إلى الليلة إلاَّ وقد أحاط به عشرون ألف ضارب سيف وحصروه وسبّوه وسفَّهوا رأيه وقالوا : إن نزلت وإلاّ قتلناك ومن معك بالجوع . فقال : لم أفعل هذا إلاَّ خوفاً علينا وعليكم أن يملكه غيرنا فإن تركتموني حرسته وإلا نزلت ؛ فانصرفوا عنه . ولم يمض شهر حتَّى حصَّنه وأتقنه . واستفحل أمره ودعا للمستنصر صاحب مصر في الخفية ولذلك سمِّي الداعي . وخاف من نجاح صاحب تهامة فكان يلاطفه وفي الباطن يعمل على قتله . ولم يزل حتَّى قتله بالسم مع جارية أهداها إليه سنة اثنتين وخمسين وأربع مائة بالكَدْراء .
وفي سنة ثلاث وخمسين كتب الصليحي إلى المستنصر يستأذنه في إظهار الدولة فأذن له فطوى البلاد والحصون والتهائم . ولم تخرج سنة خمس وخمسين إلاَّ وقد ملك اليمن كلّه : سهله وجبله ووعره وبحره . وهذا أمر لم يُعهد مثله في جاهلية ولا إسلام حتَّى قال يوماً وهو يخطب في جامع الجند : وفي مثل هذا اليوم يُخطب على منبر عدن ولم يكن ملكها بعد . فقال بعض الحاضرين : سُبُّوح قُدُّوس مستهزئاً ؛ فأمر بالحوطة عليه . وخطب الصليحي في مثل ذلك اليوم على منبر عدن فقام ذلك الإنسان وتغالى في القول وأخذ البيعة ودخل في المذهب