إذِ الأسلوبُ في المجموع واحِدْ ... وليس على كتابتها مُساعِدْ .
وبلغتني وفاته بالمدينة النبوية في سنة ستّ وأربعين وسبع مائة .
التهامي الشاعر .
علي بن محمد بن فهد أبو الحسن التهامي الشاعر . وهو من الشعراء المحسنين المجيدين أصحاب الغوص . مولده ومنشؤه باليمن وطرأ على الشام وسافر منها إلى العراق والى الجبل ولقي الصاحب بن عبَّاد وقرأ عليه وانتحل مذهب الاعتزال وأقام ببغداذ وروى بها شعره ثمَّ عاد إلى الشام وتنقَّل في بلادها وتقلَّد الخطابة بالرّملة وتزوَّج بها . وكانت نفسه تحدّثه بمعالي الأمور وكان يكتم نَسَبَه فيقول تارةً إنَّه من الطالبيِّين وتارةً من بني أميَّة ولا يتظاهر بشيءٍ من الأَمرين . وكان متورِّعاً صَلِفَ النفس متقشِّفاً يطلب الشيء من وجهه ولا يريده إلاَّ من حِلِّه . نسخ شعر البحتري فلما بلغ أبياتاً فيها هجوٌ امتنع من كتبها وقال : لا أُسطِّر بخطِّي مثالبَ الناس . وكان قد وصل إلى الديار المصرية مستخفياً ومعه كتبٌ كثيرة من حسَّان بن مفرّج بن دغفل البدوي وهو متوجِّه إلى بني قُرَّة فظفروا به فقال : أنا من تميم ؛ فلمَّا انكشف حاله عُلم أنه التهامي الشاعر فاعتُقل بخزانة البنود بالقاهرة لأربع بقين من شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة وأربع مائة . ثمَّ إنَّه قُتل سرًّا في سجنه تاسع جمادى الأولى من السنة المذكورة . وكان أصفر اللون . ورُئيَ بعد موته في المنام فقيل له : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي . قيل له : بأيِّ الأَعمال ؟ قال : بقولي في مرثية ولدٍ لي صغير وهو : .
جاورتُ أعدائي وجاور ربَّهُ ... شتَّانَ بين جوارِهِ وجواري .
ومن شعره قوله : .
قلتُ لخِلِّي وزهورُ الربى ... مبتسماتٌ وثغورُ المِلاحْ .
أيُّهما أحلى تُرى منظراً ... فقال : لا أعلم كلٌّ أقاحْ .
وكرَّر هذا النوع فقال : .
أَلَمَّ وليلي بالكواكبِ أشيبُ ... خيالٌ على بُعد المدى يتأوَّبُ .
أَلَمَّ وفي جفني وجفنِ مُهنَّدي ... غِراران : ذا نومٌ وذاك مُشَطَّبُ .
وقال أيضاً : .
ألمَّتْ بنا بعد الهُدُوِّ سعادُ ... بليلٍ لباسُ الجوِّ فيه حِدادُ .
ألمَّتْ وفي جفني وجفن مُهنَّدي ... غِراران : ذا سيفٌ وذاك رقادُ .
قلت : وهذا المعنى أولع به الأرَّجاني فقال : .
وأين من المنام لَقَى همومٍ ... يبيتُ ونِضوهُ مُلقى الجِرانِ .
يَشيمُ البرقَ وهو ضجيعُ عَضْبٍ ... ففي الجفنين منهُ يَمانِيانِ .
وقال الأرَّجاني أيضاً : .
وأرَّقني والمَشرِفيُّ مُضاجعي ... سنا بارقٍ أسرى فهيَّجَ أحزاني .
ثلاثةُ أجفانٍ ففي طيِّ واحدٍ ... غِرارٌ وخالٍ من غِراريهما اثنانِ .
وأُولع به قبله عبد الصمد الطبري فقال : .
فبِتُّ على مراصدهمْ وحيداً ... كلا جفنيَّ رَأْرَأَهُ الغِرارُ .
وقال عبد الصمد أيضاً : .
بانوا بهيفاءَ يغزو سيفُ مُقلتها ... قلبَ المتيَّم في جيشٍ من الفتنِ .
شمسٌ على غُصُنٍ هام الفؤادُ بها ... يا ويحَ قلبيَ من شمسٍ على غُصُنِ .
وطالما غابَ عن جفني لِزَوْرتها ... وجفن سيفي غِرارُ النصل والوَسَنِ .
وقال عبد الصمد أيضاً : .
وربَّ بيضاءَ ريَّا الخِدر فاءَ لها ... رَيعان من تَرفٍ غَضٍّ ورَيعانِ .
طرقتُها والسُّرى والعزمُ قد شهرا ... وَهْناً غِرارينِ من جفني وأجفاني .
وقال التهامي في تلك المادة أيضاً : .
وضاحكنَ نَوْرَ الأُقحوان فقال لي : ... خليليَّ أيُّ الأُقحوانين أعجبُ ؟ .
فقلتُ لهُ : لا فرقَ عندي وإِنَّما ... ثغورُ الغواني في المذاقَةِ أعذبُ .
ومن شعر التهامي : .
قالوا : قُتِلْتَ بصارمٍ من طرفِهِفيما زعمتَ وما نراهُ بِقانِ .
فأجبتُ : خيرُ البِيض ما سفك الدّما ... فمضى ولم يتخضَّبِ الغَرْبانِ .
ومنه : .
لولاهُ لم يقضِ في أعدائهِ قَلَمٌ ... ومِخلبُ الليث لولا الليثُ كالظُّفُرِ .
ما صَلَّ إلاَّ وصلَّتْ بِيضُ أنصُلِهِ ... في الهامِ أو أطّتِ الأرماحُ في الثُّغُرِ