أَيُّهذا الشريفُ حاشاكَ حاشا ... كَ يُرى في فِنائكَ ابنُ هلالِ .
هو نحسُ النحوس في السادةِ الغُ ... رِّ وسعدُ السُّعودِ في الأنذالِ .
أنْظُرِ اللامَ من هلالٍ فخذها ... فيه مشكولةً بلا إشكالِ .
وقال غيره : .
من ذا رأيتم من النُّسَّاخ متَّخذاً ... سِبالَ لصٍّ على غُثْنون مُحتالِ .
هذا وأنتَ ابنُ بوَّابٍ وذو عَدَمٍ ... فكيف لو كنتَ ربَّ الدار والمالِ .
ومن شعر ابن البوَّاب : .
ولَوَ أنّي أهْدَيتُ ما هو فَرْضٌ ... للرئيس الأجلِّ من أمثالي .
لنظمتُ النجومَ عِقداً إِذا رصّ ... ع غيري جواهراً بلآلي .
ثمَّ أهديتُها إليه وأقرر ... تُ بعجزي في القول والأفعالِ .
غير أني رأيتُ قدرك يعلو ... عن نظيرٍ ومُشبهٍ ومثالِ .
فتفاءلتُ في الهديَّة بالأق ... لام عِلْماً منّي بصدق الفالِ .
فاعتقِدْها مفاتحَ الشرق والغر ... ب سريعاً والسَّهل والأجبالِ .
فهي تستنُّ إن جَرَيْن على القر ... طاس بين الأرزاق والآجالِ .
فاختبرها مُوقِّعاً برسوم ال ... بِرِّ والمكرُمات والإفضالِ .
حكى محمد بن هلال بن الصابئ في كتاب الهفوات أنَّ أبا نصر بن مسعود الكاتب لقي يوماً ابن البوَّاب الكاتب فسلَّم عليه وقبَّل يده فقال له ابن البوَّاب : الله الله يا سيِّدي ما أنا وهذا ؟ ! .
فقال : لو قبَّلت الأَرض بين يديك لكان قليلاً . قال : ولمَ ذاك يا سيدي ؟ وما الذي أوجبه واقتضاه ؟ قال : لأنَّك تفرّدت بأشياء ما في بغداذ كلّها من يشاركك فيها منها : الخطُّ الحسن وأنَّه لم أرَ عمري كاتباً من طرف عمامته إلى طرف لحيته ذراعان ونصف غيرك . فضحك ابن البوَّاب وجزاه خيراً وقال : أسألك أن تكتم عنِّي هذه الفضيلة . وكانت لحية ابن البوَّاب طويلة جدًّا .
ولمَّا ورد الوزير فخر الملك أبو غالب محمد بن خلف والياً على العراق من قبل بهاء بن عضد الدولة جعل ابن البوَّاب نديماً له واختصَّ به . وكان ابن البوَّاب يتصرَّف في خزانة الكتب التي لعضد الدولة بشيراز وأمرها مردود إليه . وله مع عضد الدولة واقعة جرت في أمر أجزاء ربعةٍ بخطِّ ابن مُقلة فإنَّه كمَّل منها جزءاً مخروماً فكمَّله ابن البوَّاب وذهَّبه وعتَّقه وأحضره إليه في جملة الأجزاء . فلم يعرفه .
قلت : وللكتَّاب لحنٌ في الوضع يعدّونه كما يعدُّ أهل العربية لحنهم من ذاك أنَّ الكاف لا تكتب مجلَّسة إِذا وقعت طرفاً في مثل : إليك ولديك وعليك ولك وما أشبه ذلك . ثمَّ إِذا كتبت طرفاً لا يعمل لها ردَّة إنَّما الردّة عليها إِذا كانت مكتوبة أوَّلاً وفي بعض الكلمة حشواً وأشياء ذكرتها في قولي تذنيبٌ في مقدمة هذا الكتاب فأغنت عن الإعادة هنا .
جَوَنقا الكاتب .
علي بن الهيثم الأنباري و الحسن الكاتب المعروف بجونقا - بجيم وواو بعدها نون وقاف وألف - كان في ديوان المأمون ومن بعده من الخلفاء وكان فاضلاً كثير التقعير في كلامه يستعمل العويص من اللغة في محاوراته حتَّى إنَّ المأمون قال : أنا أتكلَّم مع الناس أجمعين على سجيَّتي إلاَّ عليّ بن الهيثم فإنَّي أتحفَّظ إِذا كلَّمته لأنَّه يغرق في الإغراب .
ودخل يوماً جونقا إلى سوق الدواب فلقيه نخَّاسٌ فقال : هل من حاجة ؟ قال : نعم الحاجة أناختنا بعَقْوتك أردت فرساً قد انتهى صدره وتقلقلت عروقه يشير بأذنيه ويتعاهدني بطرف عينيه ويتشرّف برأسه ويعقد عنقه ويخطر بذنبه ويناقل برجليه ؛ حسن القميص جيّد الفصوص وثيق القصب تامّ العصب كأنَّه موج لُجَّة أو سيلُ حَدور . فأجابه النخَّاس بجواب نزَّهت هذا الكتاب عنه