فلما فرغ منها دفع إليه كيساً فيه أربع مائة دينارٍ عيناً ورقعةً بإقطاع قريةٍ من نواحي تونس .
قال ابن رشيق القيرواني : وكان عليّ يستضعف شعراء عصره ويهتدم أبياتهم وربما اصطرفها جملةً واحدة ولا يرى ذلك عيباً بل يقول : أنا فرزدق هذه الطبقة فهو يلتهم كلام الناس . فعل ذلك بمحمد بن إبراهيم الكموني في بيتٍ اهتدمه من قصيدةٍ له وهو : .
يُلقي شذاه بقلبٍ غيرِ منقلبٍ ... وصفحتيه بعطفٍ غير منعطف .
فسكت واصطرف أبياتاً للجُراوي الكاتب فنازعه إياها وهجاه بقصيدة أنشدنيها لا أعرف منها إلاَّ قوله - لوضح كان به - : .
رآك الله تذهب للمعاصي ... ففضَّض من أديمك كلَّ مُذْهبْ .
وأورد له ابن رشيق في الأنموذج جملة من شعره ومن ذلك : .
بنى مَنظراً يُسْمى العروسين رفعةً ... كأنّ الثريّا عرَّستْ في قبابهِ .
إِذا الليل أخفاه بحُلكة لونه ... بدا ضوءه كالبدر تحت سحابهِ .
تمكَّن من سعدِ السعودِ محلُّه ... فأضحى ومفتاح الغنى قَرْعُ بابهِ .
ولو شاده عزمُ المُعزِّ ورأيه ... على قدره في ملكه ونصابهِ .
لكان حصى الياقوتِ والتبرُ مُفْرَغاً ... على المسك من آجرِّه وترابهِ .
وكانت أعاليه سموًّا ورفعةً ... تباشرُ ماء المُزْنِ قبل انسكابهِ .
يقول في مديحها : .
صَدَدْت العدا عن هَيْجهِ وهو وادعٌ ... وقلت لهم : إنَّ القنا ليثُ غابهِ .
هو البحر يجتاح السفينَ إِذا طما ... فلا تركبنَّ البحر وقتَ عُبابهِ .
وحسبكمُ أن تطلبوا السّلمَ عنده ... وأن تفخروا بالمشي تحت ركابهِ .
ألم تعلموا أنَّ الليالي تعلَّمت ... تنقُّلها من عفوه وعقابهِ ؟ .
وكان المنصور مفتوناً بشعره فعُرض عليه يوماً فرسٌ أشهبُ خالصٌ فقال له : ألك شيءٌ في هذا ؟ قال : نعم أبياتٌ كنتُ صنعتُها لك وأنشد : .
رَغِبَتْ به الأُمُّ النجيبةُ عن ... رَقَطِ الغرابِ لهُجْنَةِ البَلَقِ .
فأتى كفجر الصيف باعَده ... غِلظُ الهواء وكُدْرَةُ الأُفُقِ .
حتَّى اعتلت أنوارُه وحَنَتْ ... كفُّ الغزالةِ وردةَ الشَّفَقِ .
وتوفي سنة عشر وأربع مائة وقد ناهز السبعين .
الزَّرَندي الحنفي .
علي بن يوسف بن الحسن الإمام المحدّث الأديب نور الدين أبو الحسن الزَّرَندي ثمَّ المدني الحنفي . مولده بطَيْبَة قبل السبع مائة . تفقّه وشارك في الفضائل وله فهم وذكاء ورزانة . رحل إلى العراق مع أخيه وسمع ببغداذ ودخل خوارزم ودمشق ومصر وعُني بالرواية وقرأ بنفسه على الشيخ شمس الدين وسمع مني وأعجبتني فضائله . وله النظم والنثر .
الزاهد الصالح .
علي الخبّاز الزهد كان شيخاً صالحاً كبير القدر مشهوراً له زاوية ومريدون وله أحوال وكرامات . قال الشيخ شمس الدين : وكان شيخنا الدَّباهي يعظِّمه ويصفه . قتل في كائنة بغداذ سنة ست وخمسين وست مائة شهيداً .
الشيخ عليّ البكّار .
علي البكّار . كان من الأولياء أقام مدةً ببلدة الخليل E وكان مقصوداً بالزيارة . قارب السبعين وتوفي سنة سبعين وست مائة وقبره ظاهرٌ ببلدة الخليل عليه السلام يُزار هناك وفي مقامه سِماطٌ يأكلُ منه الفقراء والزُّوّار .
المالكي السَّبْتي .
علي المتيوي الشيخ أبو الحسن المغربي السَّبتي المالكي الزاهد أحد الأئمة الأعلام . كان يحفظ المدوّنة والتفريع لابن الجلاّب ورسالة ابن أبي زيد وألّف شرحاً ل الرسالة ولم يكمله وصل فيه إلى باب الحدود . وكان مع براعته في الفقه عجباً في الزهد والورع يخرج إلى الجمعة مغطَّى الوجه . وقبره بظاهر سَبتة يُزار . ولم يكن في زمانه أحفظ منه لمذهب مالك ؛ أخذ الناس عنه . وتوفي سنة سبعين وست مائة .
الأعرج الصوفي .
علي الهاشمي الواسطي الأعرج . كان من أعيان الصوفيّة . توفي ببغداذ سنة خمس وسبعين وثلاث مائة . حدَّث عنه أبو عبد الله بن باكويه قال : كنّا في دعوة ببغداذ فيها علي الأعرج الهاشمي فأخذ القوّال يقول : .
يا مُظْهِرَ الشوق باللسانِ ... ليس لدعواك من بيانِ