والرعية فهم الوديعة نعند أولي الأمر فما يختص بحسن النظر منهم زيد ولا عمرو .
والأموال فهي ذخائر العاقبة والمآل والواجب أن تؤخذ بحقها وتنفق في مستحقها .
والجهاد براً وبحراً فمن كنانة الله تفوق سهامه وتؤرخ أيامه وينتضى حسامه وتجري منشآته في البحر كالأعلام وتشر أعلامه وفي عقر دار الحرب يحط ركابه ويخط كتابه ؛ وترسل أرسانه وتجوس خلالها فرسانه فليلزم منه ديدناً ويستصحب منه فعلاً حسناً .
وجيوش الإسلام وكمته وأمراؤه وحماته فهم من قد علمت قدم هجرة وعظم نصره وشدة باس وقوة مراس وما منهم إلا من شهد الفتوحات والحروب وأحسن في المحاماة عن الدين والدؤوب وهم بقايا الدول وتحايا الملوك الأول ؛ لا سيما أولي السعي الناجح والرأي الراجح ومن لهم نسبة صالحية إذا فخروا بها قيل لهم : نعم السلف الصالح فأوسعهم براً وكن بهم براً وهم بما يجب من خدمتك أعلم وأنت بما يجب من حقهم أدرى .
والحصون والثغور فهم ذخائر الشدة وخزائن العديد والعدة ؛ ومقاعد القتال وكنائن الرجاء والرجال فأحسن لها التحصين وفوض أمرها إلى كل قوي أمين ؛ وإلى كل ذي دين متين وعقل رصين ونواب الممالك ونواب الأمصار فأحسن لهم الاختيار وأجمل لهم الاختبار وتفقد لهم الأخبار .
وأما ما سوى ذلك فهو داخل في حدود هذه الوصايا النافعة ولولا أن الله أمرنا بالتذكير لكانت سجايا المقر الأشرف السلطاني الملكي المنصوري مكتفية بأنوار ألمعيته الساطعة ؛ وزمام كل صلاح يجب أن يشغل به جميع أوقاته هو تقوى الله قال الله تعالى " يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته " .
فليكن ذلك نصب العين وغل القلب والشفتين ؛ وأعداء الدين من أرمن وفرنج وتتار فأذقهم وبال أمرهم في كل إيراد للغزو وإصدار وثر لأن تأخذ للخلفاء العباسيين ولجميع المسلمين منهم الثأر واعلم أمن الله نصيرك على ظلمهم وما لظالمين من أنصار .
وأما غيرهم من مجاوريهم من المسلمين فأحسن باستنقاذك منهم العلاج وطبهم باستصلاحك فبالطب الملكي والمنصوري ينصلح المزاج والله الموفق بمنه وكرمه .
قلج أرسلان .
صاحب الروم .
قلج ارسلان بن مسعود بن قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش بن إسرائيل بن سلجوق بن دقاق التركماني ملك الروم .
كان فيه عدل وحسن سياسة وسداد رأي .
طالت أيامه وهو والد الجهة السلجوقية زوجة الناصر لدين الله .
توفي سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وتسلطن بعده ولده غياث الدين كيخسرو .
وكان قلج أرسلان قد قوي عليه أولاده حتى لم يبق له معهم إلا مجرد الاسم لكونه شاخ .
وتوفي بقونية في نصف شعبان كذا ورخه ابن الأثير .
وكان له من البلاد قونية واقصرا وسيواس وملطية . ومدة ملكه تسع وعشرون سنة وقيل بضع وثلاثون سنة و قيل إنه قتل .
وكان ذا سياسة وعدل وهيبة عظيمة وغزوات كثيرة في الروم . ولما كبر فرق بلاده على أولاده فحجر ابنه قطب الدين فهرب إلى ابنه الآخر فتبرم به ثم أكرمه كيخسرو وسار في خدمته وندم على تفريق بلاده على أولاده .
وكان نور الدين الشهيد قد قصده في وقت فأرسل إليه يستعطفه فأجابه إلى الصلح وقال له : إني اريد منك أموراً وقواعد مهما تركت فلا أترك منها ثلاثة : أحدها : أن تجدد إسلامك على يد رسولي حتى يحل لي إقرارك على بلاد الإسلام فإني لا أعتقد أنك مؤمن - وكان قلج أرسلان يتهم باعتقاد الفلاسفة ؛ والثاني : إذا طلبت عسرك للغزاة تسيره فإنك قد ملكت طرفاً كبيراً من بلاد الإسلام وتركت الروم وجهادهم وهادنتهم فإما أن تكون تنجدني بعسكرك لأقاتل الفرنج وإما أن تجاهد من يجاورك من الروم ونتبذل الجهد في جهادهم .
والثالث : أن تزوج ابنتك لسيف الدين غازي ولد أخي وذكر أموراً غيرها . فلما سمع قلج أرسلان الرسالة قال : ما قصد نور الدين إلا الشناعة علي بالزندقة وقد أجبته إلى ما طلب وأنا أجدد إسلامي على يد رسوله .
الناصر صاحب حماة .
قلج أرسن بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب الملك الناصر بن المنصور صاحب حماة : تملك بعد أبيه وبقي في الأمر سنوات ثم أخذ أخوه المظفر منه حماة بإعانة الكامل وبقيت له قلعة بعرين ثم أخذت منه فسار إلى مصر فأعطي بها خبز مائتي فارس