من كبار الدولة له مواقف مشهورة بالسواحل وكان مقدم الغزاة حين توجه العدو الذين قصدوا الحجاز في البحر المالح بعدة مراكب وشوكة ومنعة وسولت لهم أنفسهم أمراً لمن يكن الله ليفعلوه فأدركهم وأخذهم ودخل بأسراهم القاهرة وكان يوماً مشهوداً وقفيه قول القاضي الوجيه ابن الذروي : .
قلت وقد سافرت : يا من إذا ... جهاده يعضد من حجه .
إذ قيل : سار الحاجب المرتجى ... في البحر يا رب السما نجه .
البحر لا يعدو على لؤلؤٍ ... لأنه كون من لجه .
ويقول أيضاً : .
لئن كنت من ا البحر يا لؤلؤ العلى ... نتجت فإن الجود فيك وفيه .
وإن لم تكن منه لأجل مذاقه ... فإنك من بحر السماح أخيه .
ويقول أيضاً : .
يا حاجب المجد الذي ماله ... ليس عليه في الندى حجبه .
ومن دعوه لؤلؤاً عندما ... صحت من البحر له نسبه .
ويقول أيضاً : .
مر يوم من الزمان عجيب ... كاد يبدي فيه السرور الجماد .
إذ أتى الجاجب الأجل بأسرى ... قرنتهم في طيها الأصفاد .
بجمال كأنهن حمال ... وعلوج كأنهم أطواد .
قلت بعد التكبير لما تبدى : ... هكذا هكذا يكون الجهاد .
حبذا لؤلؤ يصيد الأعادي ... وسواه من اللآلي يصاد .
وكان حيثما توجه فتح وانتصر . وكان أيام صلاح الدين مقدم الأسطول وكان يتصدق كل يوم باثني عشر ألف رغيف مع قدور الطعام ويضعف ذلك في رمضان ويشد وسطه ويقف ويغرف بيده الواحدة وفي يده الأخرى جرة سمن ويبدأ بالرجال ثم بالنساء ثم بالصبيان وإذا فرغوا بسط سماطاً للأغنياء يعجز الملوك عن مثله .
وتوفي سنة ثمان وتسعين وخمسمائة .
شمس الدين نائب الشام .
لؤلؤ الأمير الكبير شمس الدين أبو سعيد الأميني الموصلي كافل الممالك الشامية : ولد سنة خمس وثمانين وخمسمائة وسمع ابن طبرزد ومحمد بن وهب ابن الزنف وروى عنه الدمياطي وغيره .
وكان بطلاً شجاعاً ديناً عابداً صالحاً أماراً بالمعروف إلا أن فيه عقل الترك .
كان مدبر الدولة الناصرية فحرص كل الحر A على القعبور إلى مصر ليفتحها لمخدومه فسار به وبالجيوش وعمل مع عسكر مصر مصافاً بقرب العباسة فكسر المصريين .
ثم تناخت البحرية بعد فراغ المصاف وخملوا على لؤلؤ وهو في طائفة قليلة فأسروه ثم قتلوه وقتلوا معه جماعة في سنة ثمان وأربعين وستمائة .
الملك الرحيم .
لؤلؤ السلطان الملك الرحيم بد ر الدين صاحب الموصل الأرمني الأتابكي النوري مولى نور الدين أرسلان ابن السلطان عز الدين مسعود يكنى أبا الفضائل : كان القائم بتدبير دولة أستاذه ثم دبر دولة القاهر عز الدين مسعود ولده فلما توفي أقام بدر الدين أخوين ولدي القاهر صبيين وهما ابنا بنت مظفر الدين صاحب إربل واحداً بعد واحد ثم إنه استبد بالملك أربعين سنة والأصح أنه تسلطن سنة ثلاثين وستمائة .
وكان حازماً مدبراً شجاعاً وفيه كرم وسؤدد وتجمل وله هيبة وسطوة وسياسة ومداراة للخليفة والتتار ويغرم على القصاد أموالاً وافرة .
وكان مع جوره وظلمه محبباً إلى الرعية قطع وشنق وقتل ما لا نهاية له حتى هذب البلاد .
ولما رأى مظفر الدين صاحب إربل يتغالى في المولد النبوي ويغرم عليه أموالاً عظيمة ويظهر الفرح والزينة عمد هو إلى يوم في السنة وهو عيد الشعانين فعمل فيه من اللهو والخمور والمغاني ما يضاهي به المولد ويكون السماط خونجا طعام وباطية خمر وينثر الذهب على الناس من القلعة يسفي الذهب بالصينية .
ومقته أهل العلم والدين لهذا الفعل وقال فيه : .
يعظم أعياد النصارى ويدعي ... بأن غله الخلق عيسى بن مريم .
إذا نبهته نخوة عربية ... إلى المجد قالت أرمنيته نم .
توجه إلى هولاكو وقدم له تحفاً سنية منها درة يتيمة التمس أن يضعها في أذن هولاكو فانكفأ على ركبته فمعك أذنه وأدخلها فيها .
فلما خرج أفاق على نفسه وقال : هذا معك أذني فغضب وطلبه فغذ به قد ساق في الحال ومات في سنة سبع وخمسين وستمائة وقد كمل الثمانين .
أمير دمشق