بحز كحز رقاب العدى ... ومص كمص شفاه الأحبة .
ابن عنين .
محمد بن نصر الله بن مكارم بن الحسين بن عنين الأديب الرئيس شرف الدين أبو المحاسن الكوفي الأصل الزرعي المنشإ الدمشقي الشاعر صاحب الديوان المشهور ولد بدمشق سنة تسع وأربعين وخمس مائة وسمع من الحافظ أبي القاسم بن عساكر لم يكن في عصره آخر مثله طوف وجال في العراق وخراسان وما وراء النهر والهند ومصر في التجارة ومدح الملوك والوزراء وهجا الصدور والكبراء وكان غزير المادة قيل إنه كان يستحضر غالب الجمهرة هجا جماعة من رؤساء دمشق في قصيدة سماها مقراض الأعراض فنفاه السلطان صلاح الدين على ذلك فقال : .
فعلام أبعدتم أخا ثقة ... ما خانكم يوماً ولا سرقا .
انفوا المؤذن من بلادكم ... إن كان ينفى كل من صدقا .
ومن شعره مفرق في تراجم هذا الكتاب في من هجاه أو مدحه أو جاراه دخل اليمن ومدح صاحبها أخا صلاح الدين سيف الإسلام طغتكين وقدم مصر وقدم إربل رسولاً من جهة المعظم وولي الوزارة آخر دولة المعظم ومدة سلطنة ولده الناصر بدمشق ولما ولي العادل أخو صلاح الدين مدحه واستأذنه في الوصول إلى دمشق واستعطفه وهي مشهورة ذكرتها في ترجمة العادل فأذن له فجاء إليها وقال : .
هجوت الأكابر في جلق ... ورعت الرفيع بسب الوضيع .
وأخرجت منها ولكنني ... رجعت على رغم أنف الجميع .
واشتغل بطرف من الفقه على القطب النيسابوري والكمال الشهرزوري وقرأ الأدب على أبي الثناء محمود بن رسلان وسمع ببغداذ من منوجهر ابن تركانشاه راوي المقامات ولما ولي كان محمود الولاية كثير النصفة مكفوف اليد عن أموال الناس مع عظم الهيبة إلا أنه ظهر منه في الآخر سوء اعتقاد وطعن على السلف واستهتار بالشرع وكثر عسفه وظلمه وترك الصلاة وسب الأنبياء ولم يزل يتناول الخمر إلى قبل وفاته وله ترجمة في تاريخ ابن النجار توفي سنة ثلاثين تقريباً كتب إلى أخيه من الهند مضمناً قول المعري : .
سامحت كتبك في القطيعة عالماً ... إن الصحيفة اعوزت من حامل .
وعذرت طيفك في الجفاء فإنه ... يسري فيصبح دوننا بمراحل .
يقال إن المعظم أحضره والشعراء يوماً فقال لهم : لا بد أن تهجوني قدامي فقالوا : الله الله يا خوند ! .
فألح عليهم فتقدم ابن عنين وقال : .
نحن قوم ما ذكرنا لامرئ ... قط إلا واشتهى أن لا يرانا .
فقال المعظم : صدقت فقال ابن عنين : شعرنا مثل الخرا فقال المعظم : صدقت فقال ابن عنين : .
ذقت الخرا ؟ .
فقال المعظم : قبحك الله ! .
فقال ابن عنين : .
صفع الله به أصل لحانا .
وكتب إليه أخوه وهو بالهند يذكره أيام الصبى ويصف له دمشق وطيبها ليستميله إليها فأجاب : .
يا سيدي وأخي لقد ذكرتني ... عهد الصبى ووعظتني ونصحت لي .
أذكرتني وادي دمشق وظله ال ... ضافي على الصافي البرود السلسل .
ووصفت لي زمن الربيع وقد بدا ... هرم الزمان إلى شباب مقبل .
وتجاوب الأطيار فيه فمطرب ... يلهي الشجي ونائح يشجي الخلي .
يغني النديم عن القيان غناؤها ... فالعندليب بها رسيل البلبل .
وكأنما أخذت عن ابن مقلد ... قول المسرح في الثقيل الأول .
ومدامةً من صيدنايا نشرها ... من عنبر وقميصها من صندل .
مسكية النفحات يشرف أصلها ... عن بابل ويجل عن قطربل .
وتقول : أهل دمشق أكرم معشرٍ ... وأجله ودمشق أفضل منزل .
وصدقت إن دمشق جنة هذه ال ... دنيا ولكن الجحيم ألذ لي .
لا الدائص الحلبي ينفذ حكمه ... فيها علي ولا العواني الموصلي .
وقال : .
لم يبق لي غير أن أموت كما ... قد مات قبلي مني إلى آدم .
كل إلى الله صائر وعلى ... ما قدم المرء قبله قادم .
يدرك ما قدمت يداه كما ... قيل فإما جذلان أو نادم .
فيا لها حسرة مخلدة ... إذا تساوى المخدوم والخادم .
ومات لابن عنين حمار بالموصل فقال يرثيه :