وقد شربت منه كرام جيادنا ... فكادت بأسرار الهوى تتكلم .
سرى البرق من نعمان يخبر أنه ... سيشقى بكم من كان بالأمس ينعم .
رحلتم وهذا الليل فيكم فلم يعد ... إلي سواه منكم إذ رحلتم .
وما أنا صب بالنجوم وإنما ... تخيل لي الآفاق أنكم هم .
قلت : شعر جيد ولو قال : تخيل لي الأشواق أنكم هم لكان أحسن من الآفاق .
أبو الطيب المتنبي .
أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد أبو الطيب الجعفي الكوفي المتنبي الشاعر ولد سنة ثلاث وثلاث مائة وأكثر المقام بالبادية لاكتساب اللغة ونظر في فنون الأخبار وأيام الناس والأدب وقال الشعر من صغره حتى بلغ الغاية وفاق أهل عصره ولم يأت بعده مثله ومدح الملوك وسار شعره في الدنيا . قال ضياء الدين ابن الأثير : سافرت إلى مصر ورأيت الناس يشغلون بشعر المتنبي فسألت القاضي الفاضل فقال : إن أبا الطيب ينطق عن خواطر الناس . وكان قد خرج إلى كلب فادعى فهم أنه علوي ثم ادعى النبوة إلى أن اشهد عليه بالكذب بالدعوتين وحبس دهراً وأشرف على القتل ثم استنابوه وأطلقوه ثم إنه تنبأ في بادية السماوة فخرج إليه لؤلؤ أمير حمص من قبل الإخشيد فأسره بعد أن شرد من معه ثم حبسه دهراً فاعتل وكاد يتلف ثم استتيب بمكتوب وقيل إنه قال : أنا أول من تنبأ بالشعر ثم التحق بالأمير سيف الدولة ابن حمدان وحظي عنده ثم فارقه ودخل مصر سنة ست وأربعين وثلاث مائة ومدح كافوراً الإخشيدي وكان يقف بين يديه وفي رجليه خفان وفي وسطه سيف ومنطقة ثم يركب بحاجبين من مماليكه وهما بالسيوف والمناطق ولما لم يرضه هجاه وفارقه ليلة عيد النحر سنة خمسين وثلاث مائة ووجه كافور الإخشيدي خلفه رواحل إلى جهات شتى فلمخ يلحق . وكان كافور وعده بولاية بعض أعماله فلما رأى تعاطيه في شعره وسموه بنفسه خافه وعوتب فيه فقال : يا قوم من ادعى النبوة بعد النبي A أما يدعي المملكة مع كافور فحسبكم . وكان لسيف الدولة مجلس يحضره العلماء في ليلة النحر فيتكلمون بحضرته فوقع بين المتنبي وبين ابن خالويه كلام فوثب ابن خالويه على المتنبي فضربه في وجهه بمفتاح فشجه وخرج ودمه يسيل وغضب وخرج إلى مصر . ولما فارق مصر قصد بلاد فارس ومدح عضد الدولة ابن بويه فأجزل جائزته . ورجع من عنده قاصداً بغداذ ثم إلى الكوفة في شعبان لثمان خلون منه فعرض له فاتك بن أبي جهل الأسدي في عدة من أصحابه وكان مع المتنبي جماعة أيضاً فقتل المتنبي وابنه محسد وغلامه مفلح بالقرب من النعمانية بمكان يقال له الصافية وقيل عند دير العاقول . ذكر ابن رشيق في العمدة : لما فر أبو الطيب حين رأى الغلبة قال له غلامه : لا يتحدث الناس عنك بالفرار أبداً وأنت القائل : .
فالخيل والليل والبيداء تعرفني ... والسيف والرمح والقرطاس والقلم .
فكر راجعاً وقتل سنة أربع وخمسين وثلاث مائة لست بقين من شهر رمضان وقيل غير ذلك من شهر رمضان ويقال إن أبا علي الفارسي قال له يوماً : كم لنا من الجموع على وزن فعلى ؟ فقال المتنبي في الحال : حجلي وظربي فقال أبو علي : فطالعت كتب اللغة ثلاث ليال علي أنا أجد لهذين الجمعين ثالثاً فلم أجد وحسبك من يقول أبو علي في حقه هذه المقالة وحجلى جمع حجل وهو الطائر المعروف وظربى جمع ظربان على وزن قطران وهي دويبة منتنة الرائحة . وكان الشيخ تاج الدين الكندي يروي له بيتين لا يوجدان بديوانه وهما : .
أبعين مفتقر إليك نظرتني ... فأهنتني وقذفتني من حالق .
لست الملوم أنا الملوم لأنني ... أنزلت آمالي بغير الخالق .
والصحيح أنهما لأبي الفرج صاحب الأغاني . ولما كان بمصر كان له صديق يغشاه في علته فلما أبل انقطع عنه فكتب إليه : وصلتني وصلك الله معتلاً وقطعتني مبلاً فإن رأيت أن لا تحبب العلة إلي ولا تكدر الصحة علي فعلت إن شاء الله تعالى . وقال النامي الشاعر : كان قد بقي من الشعر زاوية دخلها المتنبي وكنت أشتهي أن أكون قد سبقته إلى معنيين قالهما ما سبق إليهما أحدهما : .
رماني الدهر بالأرزاء حتى ... فؤادي في غشاء من نبال .
فصرت إذا أصابتني سهام ... تكسرت النصال على النصال .
والآخر قوله :