أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور الشيخ الإمام شهاب الدين المقدسي النابلسي الحنبلي مفسر المنامات . ولد بنابلس سنة ثمان وعشرين وسمع من عمه التقي يوسف سنة ست وثلاثين ومن الصاحب محيي الدين ابن الجوزي وسمع بمصر من ابن رواج والساوي وابن الجميزي وبالاسكندرية من سبط السلفي وروى الكثير بدمشق والقاهرة وكان إليه المنتهى في تعبير الرؤيا واشتهر عنه في ذلك عجائب ويخبر صاحب الرؤيا بالمغيبات التي لا يقتضيها المنام أصلاً . وكان بعض الناس يعتقدون فيه الكشف والكرامات وبعضهم يقول : ذلك مستنبطٌ من المنامات وبعضهم يقول : كهانات وإلهامات ولكل منهم في دعواه شبهٌ وعلامات قال الشيخ شمس الدين حدثني الشيخ تقي الدين ابن التيمية أن الشهاب العابر كان له رئيّ من الجن يخبره بالمغيبات . والرجل فكان صاحب أورادٍ وصلاة ومقامات وما برح على ذلك حتى مات صنف في التعبير مقدمة سماها " البدر المنير " قرأها عليه الشيخ علم الدين البرزالي قال الشيخ شمس الدين : وسمعنا منه أجزاء وكان عارفاً بالمذهب وولي التدريس بالجوزية لما قدم علينا ونزل بها وكان شيخاً حسن البشر وافر الحرمة معظماً في النفوس أقام بمصر مدة وقام له بها سوق وارتبط عليه بها جماعة ثم رسم بتحويله من القاهرة وتوفي بدمشق سنة سبع وتسعين وست مائة وحضر جنازته ملك الأمراء والقضاة والأكابر . قلت : وكان قد ارتبط عليه بالقاهرة من الأمراء أمير يعرف بالطبرس وهو الذي عمر المجنونة التي على الخليج ظاهر القاهرة ولهذا الشيخ عمّرها . وأخبرني الحافظ فتح الدين ابن سيد الناس قال : كنت عنده يوماً فجاء إليه إنسان وقال له : رأيت كأني صرت أترجة فقال : أترجة ا ت ر ج ة وعدها على أصابعه خمسة أحرف أنت تموت بعد خمسة أيام فقال لي بعض من حضر ذكره ولكن أنسيته أنا : القاعدة عند أرباب التعبير أنه من رأى أنه صار ثمرة تؤكل فإنه يموت وهذه زيادة من عنده يعني عدّ حروف الأترجة . وحكي لي عنه بهاء الدين أبو بكر ابن غانم موقع صفد قال : كنا عنده بدمشق وجاء إليه اثنان فقال له أحدهما : رأيت رؤيا وقصّها فقال له : ما رأيت شيئاً وإنما تريد الامتحان فخرجا بعدما اعترفا فقلنا له : من أين لك هذا ؟ قال : لما تلكما نظرت في ذيل أحدهما نقطة دم فذكرت الآية وهي قوله تعالى " وجاءوا على قميصه بدمٍ كذبٍ " فاتفق أن رأيت أحدهما فيما بعد فسألته عن القضية فقال : لما اجتزنا عليه ذكرنا أمره الغريب وقلنا نمتحنه وصنفنا رؤيا للوقت فكان ما سمعت فقلت : إنه قال كذا وكذا فقال : صدق ونحن داخلون إليه كان إنسان في الطريق يذبح فروجاً فرمى به فلوّثنا به بالدم .
وحكى لي أيضاً قال : جاء إليه إنسان وقال له : رأيت كأنّ في داري شجرة يقطين قد نبتت فلقال له : أعندك جارية غير الزوجة ؟ قال : نعم قال : بعني إياها فقال : ما هذا ؟ قال : الذي تسمعه . فقال : إنها ملك زوجتي فقال : قل لها تبيعني إياها فراح وعاد فقال : إنها لم تبعها فقال : قل لها بكسب مائتي ردهم فعاد وقال : لم تبعها فألح عليه فقال : إنها لم تبعها فقال : أما الآن فقد آن تعبير رؤياك امض إلى هذه الجارية واعتبرها فتوجه وعاد وقال : إنه كان عبداً وزوجتي تكتمني أمره وتلبسه لباس النساء . وأخبرني غيره عنه قال : جاء إليه إنسان وقال له : رأيت كأني قد وضعت رجلي على رأسي فقال له : أفسر لك هذه الرؤيا بيني وبينك أو في الظاهر ؟ فقال : بل في الظاهر فقال له : أنت كنت من ليالٍ تشرب الخمر وسكرت ووطئت أمك فاستحيا ومضى . وأخبرني عنه الشيخ الحافظ علاء الدين مغلطاي شيخ الحديث بظاهرية بين القصرين بالقاهرة قال : جاء إليه إنسان وقال له : رأيت قائلاً يقول لي اشرب شراب الهكاري فقال له : فؤادك يوجعك قال : نعم . قال : اشرب العسل تبرأ فسئل : من أين لك هذا ؟ قال : سمعتهم يقولون : شراب الديناري ولم أسمع بالهكاري فرجعت إلى الحروف فوجدته شراب الهك أري والأري هو العسل وذكرت الحديث قوله عليه السلام : كذب بطن أخيك أسقه العسل .
الربضي القرطبي