هو آخر الشيوخ الجلة الأكابر بالأندلس في علو الإسناد وسعة الرواية . روى عن أبيه وأكثر عنه وسمع منه معظم ما عنده . وهو كان الممسك لكتب أبيه للقارئين عليه فكثرت لذلك روايته عنه وسمع : من أبي القاسم حاتم بن محمد الطرابلسي كثيرا من روايته وأجاز له سائرها وأجاز له جماعة من الشيوخ المتقدمين . منهم : أبو محمد مكي بن أبي طالب المقرىء . وأبو عبد الله محمد بن عابد وأبو محمد عبد الله بن سعيد الشنتجيالي وأبو عمرو السفاقسي وأبو حفص الزهراوي وأبو عمر بن عبد البر وأبو عمر بن الحذاء والقاضي أبو عبد الله بن شماخ النافقي وأبو عمر بن مغيث وأبو زكرياء القليعي وغيرهم : وأجاز له أبو مروان بن حيان المؤرخ كتاب الفصوص لصاعد عن مؤلفه صاعد . وقرأ القرآن بالسبع على أبي محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن شعيب المقرىء وجوده عليه وكثر اختلافه إليه . وكان حافظا للقرآن العظيم كثير التلاوة له عارفا برواياته وطرقه واقفا على كثير من تفسيره وغريبه ومعاينه مع حظ وافر من اللغة والعربية . وتفقه عند أبيه وشوور في الأحكام بعد بقية عمره . وكان صدرا فيمن يستفتي لسنه وتقدمه .
وكان : من أهل الفضل والحلم والتواضع وكتب بخطه علما كثيرا في غير ما نوع من العلم . وجمع كتابا حفيلا في الزهد والرقائق سماه : شفاء الصدور وهو كتاب كبير إلى غير ذلك من أوضاعه سمع الناس منه كثيرا وكانت الرحلة في وقته إليه ومدار أصحاب الحديث عليه لثقته وجلالته وعلو اسناده وصحة كتبه . وكان صابرا على القعود للناس مواظبا على الاستماع يجلس لهم يومه كله وبين العشائين . وطال عمره . وسمع منه الآباء والأبناء والكبار والصغار . وكثر أخذ الناس عنه وانتفاعهم به .
أخبرني ثقة من الشيوخ قال : جلست يوما إلى أبي القاسم بن خير الرجل الصالح بالمسجد الجامع بقرطبة وهو كان إمام الفريضة به فقال لي : كنت أرى البارحة أبا محمد بن عتاب في النوم وكان وجهه مثل دارة القمر تضيء للناس حسنا فكنت أقول بما صار له هذا ! .
فكان يقال لي : بكثرة انتفاع المسلمين به وصبره لهم . أو كلاما هذا معناه . اختلفت إليه فقرأت عليه وسمعت معظم ما عنده وأجاز لي بخطه سائر ما رواه غير مرة . وسألته عن مولده فقال لي : ولدت سنة ثلاث وثلاثين وأربع مائة وصحبته إلى أن توفي C ظهر يوم السبت ودفن ظهر يوم الأحد الخامس من جمادى الأولى من سنة عشرين وخمسمائة . ودفن بمقبرة الربض قبلي قرطبة عند الشريعة القديمة واتبعه الناس ثناء حسنا وصلى عليه ابن أخيه أبو القاسم محمد بن عبد العزيز بن محمد بن عتاب . وكان أبو القاسم هذا فاضلا دينا متصاونا . سمع معنا على عمه كثيرا من روايته واختص به . وتوفي C ودفن صبيحة يوم الأحد الخامس من جمادى الآخرة من سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة ودفن مع سلفه وصلى عليه صهره القاضي أبو عبد الله بن أصبغ بوصيته بذلك إليه واتبعه الناس ثناء جميلا وكان أهلا لذلك C .
عبد الرحمن بن عبد الله بن يوسف الأموي : من أهل طليطلة سكن قرطبة يكنى أبا الحسن : ويعرف بابن عفف . وهو جده لأمه .
سمع ببلده من أبي محمد القاسم بن محمد بن هلال وأبي بكر جماهر بن عبد الرحمن وأبي محمد عبد نب موسى الشارفي وغيرهم . وأجاز له أبو عبد الله محمد بن عتاب الفقيه جميع ما رواه . وكان C شيخا فاضلا عفيفا شهر بالخير والصلاح قديما وحديثا . وكان مختصا بالشهادة مشهور العدالة وكان يعظ الناس في مسجده وكانت العامة تعظمه . وتولى الصلاة بالمسجد الجامع بقرطبة سمع الناس منه وروينا عنه وأجاز لنا ولم يكن بالضابط لما رواه . وكان كثير الوهم في الأسانيد عفى الله عنه .
توفي C غداة يوم الجمعة ودفن أثر صلاة العصر من يوم السبت الثاني عشر من جمادى الآخرة من سنة إحدى وعشرين وخمسمائة . ودفن بمقبرة ابن عباس وصلى عليه القاضي أبو عبد الله بن الحاج وسألته عن مولده فقال لي : ولدت أما سنة سبع أو ثمان وثلاثين وأربع مئة . الشك منه C .
عبد الرحمن بن سعيد بن شماخ : من أهل طلبيرة يكنى : أبا الحسن .
روى ببلده عن أبي الوليد مرزوق بن فتح وأبي عبد الله المغامي وغيرهما . وكانت عنده معرفة وذكاء ونباهة وتوفي C في شوال سنة عشرين وخمسمائة