روى عن أبي عيسى الليثي وأبي جعفر بن عون الله وأبي جعفر التميمي وأبي محمد الباجي وغيرهم . ورحل إلى المشرق فأدى الفريضة وسكن مدينة النبي A وأفتى بها وكان يفخر بذلك على أصحابه ويقول : لقد شوورت بمدينة الرسول A دار مالك بن أنس ومكان شوراه . ولقي جماعة من العلماء فذاكرهم وأخذ عنهم . وكان من أهل العلم والذكاء والحفظ والفهم وكان عارفا بمذاهب الأئمة وأقوال العلماء أكدا للروايات يحفظ المدونة وينصها من حفظه .
قال لي شيخنا أبو محمد بن عتاب عن أبيه أنه قرأ لهم يوما ورقتين أو ثلاثة من أول كتاب السلم من المدونة عن ظهر قلب نسقا متتابعا . وحكى غيره أنه كان يحفظ النوادر لابن أبي زيد ويوردها من صدر دون كتاب والله أعلم بصحة ذلك . وقرأت بخط أبي القاسم بن عتاب قال أخبرني بعض الشيوخ أن بعض رؤساء قرطبة أراد أن يرسله إلى البربر سفيرا فأبى من ذلك وقال : إني رجل في جفا وإني أخاف أن ينالني بمكروه منهم . فقال له بعض الوزراء : رجل صالح يخاف الموت فقال : إن أخفه فقد أخافه أنبياء الله صلوات الله عليهم . هذا موسى عليه السلام حكى عنه ربه D أنه قال : " ففررت منكم لما خفتكم " . وحكى عن نفسه أنه لما حج الفريضة رأى في النوم كأن ملكا من الملائكة يقول له : ابق مجاورا إلى موسم قابل فإنه لم يتقبل حجا في هذا العام فارتاع لما رآه فأقام بمكة مجتهدا في عمله وخرج إلى المدينة فزار قبر النبي A وجعله وسيلة إلى ربه ثم صار إلى بيت المقدس فتعبد فيه زمانا ثم انصرف إلى مكة مجاورا وكان يسقي بها الماء إلى أن حضر الموسم من العام الثاني فحج حجة ثانية فلما تراءى له النبي A في نومة فكان يسلم عليه ويصافحه ويبتسم إليه ويقول له يا محمد : حجك مقبول أولا وآخرا يرحمك الله فانصرف إذا شئت مغفورا لك والحمد لله رب العالمين . ذكره الحسن بن محمد في كتابه ونقلته منه مختصرا .
قال ابن حيان : وتوفي الفقيه المشاور الحافظ المستبحر الراوية البعيد الأثر الطويل الهجرة في طلب العلم الناسك المتقشف أبو عبد الله محمد بن عمر المعروف بابن الفخار بمدينة بلنسية في ربيع الأول سنة تسع عشرة وأربع مائة لعشر خلون من الشهر . وكان الحفل في جنازته عظيما وعاين الناس منها آية من طيور أشبه الخطاف وما هي بها تجللت الجمع رافة فوق النعش جانحة إليه مسفة لم تفارق نعشه إلى أن ووري فتفرقت . وعاين الناس منها عجبا تحدثوا به وقتا . ومكث مدته ببلنسية مطاعا عظيم القدر عند السلطان والعامة . فكان ذا منزلة عظيمة في الفقه والنسك صاحب أنباء بديعة C .
وقرأت بخط أبي عمر المقرئ : توفي الفقيه أبو عبد الله محمد بن عمر الحافظ المعروف بابن الفخار جارنا C يوم السبت لسبع خلون من ربيع الأول سنة تسع عشرة وأربع مائة . ودفن يوم الأحد بمدينة بلنسية وكان قد بلغ من السن نحوا من ست وسبعين سنة . وهو آخر الفقهاء الحفاظ الراسخين العالمين بالكتاب والسنة بالأندلس C . وقرأت أيضا وفاة أبي عبد الله بن الفخار على نحو ما تقدمت بخط جماهر بن عبد الرحمن وقال : صلى عليه الشيخ خليل القرطبي ورفرفت الطير إلى أن تمت مواراته C .
وكذلك ذكر الحسن بن محمد القبشي في خبر الطيور وقال : كانت سنة نحو الثمانين سنة وكان يقال أنه مجاب الدعوة واختبرت دعوته في أشياء ظهرت فيها الإجابة .
محمد بن خزرج بن سلمة بن حارث بن محمد بن إسماعيل بن حارث - الداخل إلى الأندلس - ابن عمر اللخمي : من أهل إشبيلية ؛ يكنى : أبا عبد الله .
كان : من أهل الذكاء والحفظ ومن صحة العقل بحيث كان موصوفا به في زمانه . وكان ضعيف الخط والنفوذ للكتب يقرأ منها ما حسن خطه . وصحب أبا بكر الزبيدي واختص به . ذكر ذلك كله حفيده أبو محمد عبد الله بن إسماعيل بن محمد وقال : توفي جدي C مستهل ربيع الآخر سنة تسع عشرة وأربع مائة . وهو ابن إحدى وتسعين سنة وأشهر .
محمد بن خطاب بن مسلمة بن بترى الإيادي : سكن إشبيلية ؛ يكنى : أبا عبد الله