روى بقرطبة عن أبي جعفر أحمد بن عون الله والقاضي أبي عبد الله بن مفرج وأبي محمد عبد الله بن قاسم بن سليمان الثغري وأبي محمد بن أسد وخلف بن قاسم وأبي أيوب سليمان بن حسن بن الطويل وأبي بكر عباس بن أصبغ وأبي عمر ابن عبد البصير وأبي زكرياء يحيى بن مالك بن عائذ وأبي محمد بن حرب وجماعة كثيرة سواهم يكثر تعدادهم .
ورحل إلى المشرق سنة اثنتين وثمانين وثلاث مائة فحج وأخذ بمكة عن أبي يعقوب يوسف بن أحمد بن الدخيل المكي وأبي الحسن علي بن عبد الله بن جهضم وغيرهما وأخذ بمصر : عن أبي بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل البنا وأبي بكر الخطيب وأبي الفتح بن سيبخت وأبي محمد الحسن بن إسماعيل الضراب وغيرهم . وأخذ بالقيروان : عن أبي محمد بن أبي زيد الفقيه وأبي جعفر أحمد بن دحمون وأحمد ابن نصر الداودي وغيرهم .
ثم انصرف إلى قرطبة وقد جمع علما كثيرا في فنون العلم فصنف كتابه في تاريخ علماء الأندلس وبلغ فيه النهاية والغاية من الحفل والاتقان . وجمع كتابا حفيلا في أخبار شعراء الأندلس وجمع في المؤتلف والمختلف كتابا حسنا وفي مشتبه النسبة . كذلك إلى غير ذلك من جمعه وتصنيفه .
حدث عند أبو عمر بن عبد البر الحافظ وقال : كان فقيها عالما في جميع فنون العلم في الحديث وعلم الرجال . وله تواليف حسان وكان صاحبي ونظيري . أخذت معه عن أكثر شيوخه وأدرك من الشيوخ ما لم أدركه أنا . كان بيني وبينه في السن نحو من خمس عشرة سنة صحبته قديما وحديثا . وكان حسن الصحبة والمعاشرة حسن اللقاء قتلته البربر في سنة الفتنة وبقي في داره ثلاثة أيام مقتولا وحضرت جنازته عفا الله عنه .
وحدث عنه أيضا أبو عبد الله الخولاني وقال : كان من أهل العلم جليلا ومقدما في الآداب نبيلا مشهورا بذلك . سمع بالأندلس ورحل إلى الشيوخ في البلدان وسمع منهم وكتب عنهم . ثم توجه إلى المشرق فطلب الحديث وعني بالعلم وكان قائما به نافذا فيه .
أخبرنا أبو بحر سفيان بن العاصي الأسدي في منزله قال : قرأت على أبي عمر ابن عبد البر النمري قال أنشدنا أبو الوليد بن الفرضي لنفسه : .
أسير الخطايا عند بابك واقف ... على وجل مما به أنت عارف .
يخاف ذنوبا لم يغب عنك غيبها ... ويرجوك فيها فهو راج وخائف .
ومن ذا الذي يرجوا سواك ويتقي ... ومالك في فصل القضاء مخالف .
فيا سيدي لا تخزني في صحيفتي ... إذا نشرت يوم الحساب الصحائف .
وكن مؤنسي في ظلمة القبر عندما ... يصد ذووا ودي ويجفو الموالف .
لئن ضاق عني عفوك الواسع الذي ... أرجى لإسرافي فإني لتالف .
قال أبو مروان بن حيان : كان ممن قتل يوم فتح قرطبة وذلك يوم الاثنين لست خلون من شوال سنة ثلاث وأربع مئة الفيقه الراوية الأديب الفصيح أبو الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي المعروف بابن الفرضي أصيب هذا اليوم . وورى متغيرا من غير غسل ولا كفن ولا صلاة بمقبرة مومرة إلى أيام من قتله .
ولم ير مثله بقرطبة من سعة الرواية وحفظ الحديث ومعرفة الرجال والافتنان في العلوم إلى الأدب البارع والفصاحة المطبوعة . قل ما كان يلحن في جميع كلامه من غير حوشية مع حضور الشاهد والمثل . مولده في ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وثلاث مائة .
ورحل إلى المشرق سنة اثنتين وثمانين فحج وأخذ عن شيوخ عدة فتوسع جدا .
وكان جماعا للكتب فجمع منها أكثر ما جمعه أحد من عظماء البلد . وتقلد قراءة الكتب بعهد العامرية واستقضاه محمد المهدي بكورة بلنسية . وكان : حسن الشعر والبلاغة والخط وأخباره كثيرة رحمة الله .
أخبرني القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله الحافظ غير مرة قال : أنا أبو بكر محمد ابن طرخان ببغداذ قال : أنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي قال : نا أبو محمد علي بن أحمد الحافظ قال : أخبرني أبو الوليد بن الفرضي قال : تعلقت بأستار الكعبة وسألت الله تعال : الشهادة ثم انحرفت وفكرت : في هول القتل فندمت وهممت أن أرجع : فاستقيل الله ذلك فاستحييت