وإذا صودف غافلا فقد غفل لا محالة . فكأنه - والله أعلم - : ولا تطع من غفل قلبُه عن ذكرنا واتَّبع هواه وكان أمره فُرُطا أي لا تطع من فعل كذا وفعل كذا . وإذا صحَّ هذا الموضع ثبت به لنا أصل شريف يعرفه من يعرفه . ولولا ما تعطيه العربيَّة صاحبها من قوّة النفْس ودُرْبة الفكر لكان هذا الموضع ونحوه مَجُوزا عليه غير مأبوه له . وأنا أعجب من الشيخين أبوي عليّ رحمهما الله وقد دوّخا هذا الأمر وجوّلاه وامتخضاه وسقياه ولم يمرر واحد منهما ولا من غيرهما - فيما علِمته ( به ) - على قربه وسهولة مأخذه . ولله قُطْرُب ! فإنه قد أحرز عندي أجرا عظيما فيما صنّفه من كتابه الصغير في الردّ على الملحِدين وعليه عقد أبو عليّ - C - كتابه في تفسير القرآن . وإذا قرأته سقطت عنك الشبهة في هذا الأمر بإذن الله وعَونه . باب في تجاذُب المعاني والإعراب .
هذا موضع كان أبو عليّ - C - يعتاده ويُلمّ كثيرا به ويبعث على المراجعة له وإلطاف النظر فيه . وذلك أنك تجد في كثير من المنثور والمنظوم الإعراب والمعنى متجاذِبين : هذا يدعوك إلى أمر وهذا يمنعك منه . فمتى اعتورا كلاما ما أمسكت بعُرْوة المعنى وارتحت لتصحيح الإعراب .
فمِن ذلك قول الله تعالى : ( إنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرُ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ) فمعنى هذا : إنه على رَجْعه يوم تُبلى السرائر لقادر فإن حملته في الإعراب على هذا كان