ذكر الإيداع .
( وأودعوا للثرى أجسامهم فشكت ... شكوى الجريح إلى العقبان والرخم ) .
هذا النوع أعني الإيداع يغلب عليه التضمين والتضمين غيره فإنه معدود من العيوب والعيب المسمى بالتضمين هو أن يكون البيت متوقفا في معناه على البيت الذي بعده كقول النابغة .
( وهم وردوا الجفار على تميم ... وهم أصحاب يوم عكاظ إني ) .
( شهدت لهم مواطن صادقات ... أنبئهم بود الصدر مني ) .
والإيداع الذي نحن بصدده هو أن يودع الناظم شعره بيتا من شعر غيره أو نصف بيت أو ربع بيت بعد أن يوطىء له توطئة تناسبه بروابط متلائمة بحيث يظن السامع أن البيت بأجمعه له وأحسن الإيداع ما صرف عن معنى غرض الناظم الأول ويجوز عكس البيت المضمن بأن يجعل عجزه صدرا أو صدره عجزا وقد تحذف صدور قصيدة بكمالها وينظم لها المودع صدورا لغرض اختاره وبالعكس وقد تقدم وتقرر أن الأحسن في هذا الباب أن يصرف الشاعر ما أودعه في شعره عن معناه الذي قصد صاحبه الأول ويجوز تضمين البيتين بشرط أن ينقلهما من معناهما الأول إلى صيغة أخرى كما حكي أن الحيص بيص قتل جرو كلب وهو سكران فأخذ بعض الشعراء كلبة وعلق في رقبتها قصة وأطلقها عند باب الوزير فإذا فيها مكتوب .
( يا أهل بغداد إن الحيص بيص أتى ... بخزية ألبسه العار في البلد )