بسم الله الرحمن الرحيم .
القول في الفصل والوصل .
اعلمْ أنَّ العلمَ بما ينبغي أن يُصْنَعَ في الجملِ من عطفِ بعضها على بعضٍ أو تركِ العطفِ فيها والمجيءَ بها منثورةً تُسْتَأْنَفُ واحدةٌ منها بعد أخرى من أسرارِ البلاغة ومما لا يتأتَّى لتمامِ الصَّوابِ فيه إلاَّ الأعرابُ الخُلَّص والإَّ قَوْمٌ طُبِعُوا على البلاغة وأوتوا فنَّاً مِنَ المعرفة في ذوقِ الكلامِ هم بها أفرادٌ . وقد بلغَ من قوة الأمر في ذلك أنَّهم جعلوهُ حَدّاً للبلاغة فقد جاء عَنْ بعضهم أنه سُئِل عنها فقال : مَعْرِفَةُ الفَصلِ منَ الوصلِ ذاك لغموضِه ودقِة مَسْلكِه وأّنَّه لا يَكْمُلُ لإِحرازِ الفضيلة فيه أحدٌ إلاَّ كَمَلَ لسائِر معاني البلاغة .
واعلم أنَّ سبيلَنا أن ننظَر إلى فائدةِ العطف في المُفْرد ثم نَعودَ إلى الجملة فننظرَ فيها ونتعرفَ حالَها . ومعلومٌ أن فائدَةَ العطف في المُفردِ أن يُشْرِكَ الثاني في إِعراب الأوّل . وأنه إذا أَشْرَكَه في إِعرابه فقد أَشْرَكَه في حُكْمِ ذلك الإِعرابِ نحوُ أنَّ المعطوفَ على المرفوع بأنه فاعلٌ مثلُه والمعطوفَ على المنصوبِ بأنَّه مفعولٌ به أو فيه أوْ لُه شريكٌ له في ذلك . وإذا كان هذا أصلَه في المفرد فإِنَّ الجملَ المعطوفَ بعضُها على بعضٍ على ضربين : أحدُهما أن يكونَ للمعطوفِ عليها موضعٌ من الإِعراب وإذا كانت كذلك كان حكمها حكم المفرد إذ لا يكون للجملة موضع من الإعراب حتى تكونَ واقعةً موقعَ المفرد . وإذا كانت الجملةُ الأولى واقعةً موقعَ المُفْرَدِ كان عطفُ الثانية عليها جارياً مَجْرى