ومن عادةِ قومٍ ممَّن يتعاطى التفسيرَ بغير علمٍ أن يتوهَّموا أبداً في الألفاظ الموضوعةِ على المجاز والتمثيلِ أنها على ظواهرِها فيفسدوا المعنى بذلك ويُبطلوا الغرضَ ويمنعوا أنفسَهم والسَّامعَ منهم العلمَ بموضعِ البلاغة وبمكان الشرق . وناهيك بهم إِذا هم أخذوا في ذكرِ الوجوه وجعَلوا يُكثرون في غيرِ طائل هناك ترى ما شئتَ من بابِ جهلٍ قد فتحوه وزَنْدِ ضلالةٍ قد قَدَحوا به . ونسألُ الله تعالى العصمةَ والتوفيقَ .
فصل في الكناية والتعريض .
هذا فنٌ من القول دقيقُ المسلم لطيفُ المأخذ وهو أنَّا نراهم كما يصنعون في نفسِ الصفة بأن يذهبوا بها مذهب الكنايةِ والتعريضِ . كذلك يذهبون في إِثباتِ الصفة هذا المذهبَ . وإذا فعلوا ذلك بدَتْ هناك محاسنُ تملأ الطرف وَدقائقُ تُعجزُ الوصفَ . ورأيتَ هناك شعراً شاعراً وسحراً ساحراً وبلاغةً لا يكمل لها إلاّ الشاعرُ المُفلِقُ والخطيب المِصْقَعُ . وكما أنَّ الصفةَ إذا لم تأتك مُصرَّحاً بذكرها مكشوفاً عن وجهها ولكنْ مدلولاً بغيرها كان ذلك أفخمَ لشأنها وألطفَ لمكانِها . كذلك إثباتُك الصفةَ للشيءِ تثبِتُها له إِذا لم تُلقِه إلى السامع صريحاً وجئتَ إليه من جانبِ التعريضِ والكنايةِ والرمزِ والإِشارة كان له من الفضلَ والمزية ومن الحُسْنِ والرونَقِ ما لا يقلُّ قليلُه لا يُجْهلُ موضعُ الفضيلة فيه .
وتفسيرُ هذه الجملةِ وشرحُها أنهم يرومون وصفَ الرجل ومدحَه وإثباتَ معنًى من المعاني الشريفة له فَيدَعون التَّصريحَ بذلك ويُكَنّون عن جعلِها فيه بجعلِها في شيءٍ يشتَمِلُ عليه ويتلبَّسُ به . ويتوصَّلون في الجملة إلى ما أرادوا من الإِثبات لا من الجهةِ الظاهرةِ المعروفةَ بل من طريقٍ يَخفَى ومسلَكٍ يَدِقُّ . ومثالُه قولُ زيادٍ الأعجمِ - الكامل - :