بسم الله الرحمن الرحيم فصل .
في أن الفصاحة في اللفظ لا المعنى .
قد أردنا أن نستأنِفَ تقريراً نزيدٌ به الناسَ تَبصيراً أنَّهم في عمياءَ من أمرِهم حتَّى يسلكوا المسلَكَ الذي سلكناه ويُفْرِغوا خواطِرَهُم لتأمُّلِ ما استخرجناه وأنَّهم ما لم يأخذوا أنفسَهم بذلك ولم يُجرِّدوا عناياتِهم له في غرورٍ كمن يَعِدُ نفسه الريَّ من السَّرابِ اللامِعِ ويخادعُها بأكاذيبِ المطامعِ . يقال لهم إنكم تتْلون قولَ اللهِ تعالى : ( قَلْ لئَن اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ والجِنُّ على أن يأتُوا بِمثْلِ هذا القرآنِ لا يأتُون بِمِثْله ) وقولَه Dَّ : ( قُلْ فأتُوا بَعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ ) وقولَه : ( بسُورةٍ مِنْ مثْلِه ) . فقالوا : الآن أيجوزُ أنْ يكونَ تعالى قد أمرَ نبيَّه بأنْ يتحدَّى العربَ إلى أن يُعارضوا القرآنَ بمثلِهِ من غيرِ أن يكونوا قد عَرَفوا الوصفَ الذي إذا أتَوا بكلامٍ على ذلك الوصفِ كانوا قد أَتَوا بمثلِه ولا بُدَّ من " لا " لأنَّهم إنْ قالوا : يجوزُ أبطلوا التحدِّي من حيث إنَّ التحدي - كما لا يخفى - مطالبةٌ بأن يأتوا بكلامٍ على وصفٍ ولا تصحُّ المطالبةُ بالإِتيان به على وصفٍ من غيرِ أن يكونَ ذلك الوصفُ معلوماً للمطالَبِ ويبطلُ بذلك دعوى الإِعجاز أيضاً . وذلك لأنه لا يتصوَّر أن يقالَ : إنه كانَ عَجْزٌ حتى يثبتَ معجوزٌ عنه معلوم . فلا يقومُ في عَقْل عاقلٍ أن يقول لخصمٍ له : قد أعجزَك أن تفعلَ مثلَ فعلي . وهو لا يشيرُ إلى وصفٍ يَعلَمُه في فعله ويراهُ قد وقعَ عليه . أفلا تَرى أنَه لو قالَ رَجلٌ لآخرَ : إني قد أحدثتُ في خاتَمٍ عملتهُ صنعةً أنتَ لا تستطيعُ مثلَها لم تَتَّجه له عليه حجةٌ ولم يثبُتْ به أنه قد أتى بما يعجزُه إلاّ من بعدِ أن يرِيَهُ الخاتمَ ويشيرَ له إلى ما زعمَ أنه أبدعَه فيه منَ الصَّنعة لأنه لا يصحُّ وصفُ الإِنسانِ بأنه قد عَجزَ عن شيءٍ حتى يريدَ