واعلم أنه لا يمكن أحدا ممن يمنع بلاده أو عسكره من جواسيس عدوه فيجب الاحتراز منهم بكتمان السر وستر العورة ما أمكنه على أنه ربما دعت الضرورة في بعض الأحيان إلى أن يعرف الملك عدوه بعض أموره على حقيقته لأمر يحاول به مكيدته والطريق في ذلك أن يتلطف إلى أن يصير جاسوس عدوه جاسوسا له بأن يتودد إليه بالاستمالة والبر وكثرة البذل حتى يستخرج نصيحته فحينئذ يلقي إليه ما أراد تبليغه إلى صاحبه الأول مما فيه المكيدة فيوصله إليه فيكون أقرب لقبوله من بلوغه له من غيره ممن يتهمه .
الأمر العاشر نظرة في أمور القصاد الذين يسافرون بالملطفات من الكتب عند تعذر وصول البرد إلى ناحية من النواحي .
وهو من أعظم مهمات السلطنة وآكدها وقد ذكر ابن الأثير في تاريخه أن أول من اتخذ السعاة من الملوك معز الدولة بن بويه أول ملوك الديلم بعد الثلاثين والثلثمائة .
وكان سبب ذلك أنه كان ببغداد وأخوه ركن الدولة ابن بويه بأصبهان وما معها فأراد معز الدولة سرعة إعلام أخيه ركن الدولة بتجددات الأخبار فأحدث السعاة وانتشى في أيامه ساعيان اسم أحدهما فضل والآخر مرعوش وكان أحدهما ساعي السنة والآخر ساعي الشيعة وتعصب لكل منهما فرقة وبلغ من شأنهما أن كل واحد منهما كان يسير في كل يوم نيفا وأربعين فرسخا واستمر حكم السعاة ببغداد إلى زماننا حتى إن منهم ساعيين لركاب السلطان يمشيان أمامه في المواكب وغيرها على قرب .
قلت وقد رأيتهما في خدمة السلطان أحمد بن أويس صاحب بغداد