بالفنون التي يحتاج إليها الكاتب مشتملا على التقدم في الفصاحة والبلاغة قوي الحجة في المعارضة واسع الباع في الكلام بحيث يقتدر بملكته على مدح المذموم وذم المحمود وصرف عنان القول إلى حيث شاء والإطناب في موضع الإطناب والإيجاز في موضع الإيجاز فإنه أجل كتاب الديوان وارفعهم درجة لأنه يتولى الإنشاء من نفسه وتلقى إليه الكلمة الواحدة والمعنى المفرد فينشىء على ذلك كلاما طويلا ويأتي منه بالعبارة الواسعة وهو لسان الملك المتكلم عنه فمهما كان كلامه أبدع وفي النفوس أوقع عظمت رتبة الملك وارتفعت منزلته على غيره من الملوك وهو الذي ينشىء العهود والتقاليد في الولايات والكتب في الحوادث الكبار والمهمات العظيمة التي تتلى فيها الكتب على صياصي المنابر ورؤوس الأشهاد فقد حكي أن يزيد بن الوليد كتب إلى إبراهيم بن الوليد وقد هم بالعصيان أما بعد فإني أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى فاعتمد على أيهما شئت والسلام فكان سببا لإقلاعه عما هم به .
الثاني كاتب يكتب مكاتبات الملوك عن ملكه وقد شرط فيه مع ما شرط في المتصدي للإنشاء المتقدم ذكره إن كان هو الذي ينشىء المكاتبات بنفسه عن الملك أن يكون على دين الملك الذي يكتب عنه ومذهبه لما يحتاج إليه في مكاتبه الملك المخالف من الاحتجاج على صحة عقيدته ونصرة مذهبه وإقامة الدلائل على صحة ذلك ولن يحتج للملة أو المذهب من اعتقد خلافه بل المخالف إنما تبدو له مواضع الطعن لا مواضع الحجاج وكذلك أن يكون من علو الهمة وقوة العزم وشرف النفس بالمحل الأعلى والمكان الأرفع فإنه يكاتب عن ملكه وكل كاتب فإنه يجره طبعه وجبلته وخيمه إلى ما هو عليه من الصفات فكلما كان الكاتب أقوى جانبا وأشد عزما وأعلى همة كان على التفخيم والتعظيم والتهويل والترغيب والترهيب أقدر