الجاحظ ما رأيت أمثل طريقة من هؤلاء الكتاب فإنهم التمسوا من الألفاظ ما لم يكن متوعرا حوشيا ولا ساقطا سوقيا وقد ذكر ابن الأثير في المثل السائر أن الكتاب غربلوا اللغة وانتقوا منها ألفاظا رائقة استعملوها .
ثم هذه الألفاظ أسماء وأفعال فالأسماء كقولك في المدح فلان غرة القبيلة وسنامها وذؤابتها وذروتها وهو نبعة أرومته وأبلق كتيبته ومدرة عشيرته ونحو ذلك والأفعال كقولك في إصلاح الفاسد أصلح الفاسد ولم الشعث ورأب الشعب وضم النشر ورم الرث وجمع الشتات وجبر الكسر وأسا الكلم ورقع الخرق ورتق الفتق وشعب الصدع وفي كتاب الألفاظ لعبد الرحمن بن عيسى الكاتب كفاية من ذلك وله مختصر أربى عليه وفي كنز الكتاب لكشاجم ما فيه مقنع .
المقصد الرابع في كيفية تصرف الكاتب في الألفاظ اللغوية وتصريفها في وجوه الكتابة .
لا خفاء أنه إذا أكثر من حفظ الألفاظ اللغوية وعرف الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد والمتقاربة المعاني تمكن من التعبير عن المعاني التي يضطر إلى الكتابة فيها بالعبارات المختلفة والألفاظ المتباينة وسهل عليه التعبير عن مقصوده وهان عليه إنشاء الكلام وترتيبه وفي الأمثلة التي أوردها كشاجم في كنز الكتاب حيث يعبر عن المعنى الواحد بعبارات متعددة ما يرشد إلى الطريق في ذلك ويهدي إلى سلوك الجادة الموصلة إلى القصد منه