ومعنى أطرابلس فيما قيل ثلاث مدن وقيل مدينة الناس وهي مدينة من سواحل حمص واقعة في الإقليم الرابع قال في كتاب الأطوال طولها تسع وخمسون درجة وأربعون دقيقة وعرضها أربع وثلاثون درجة وكانت في الأصل من بناء الروم فلما فتحها المسلمون في سنة ثمان وثمانين وستمائة في الأيام الأشرفية خليل بن قلاوون C خربوها وعمروا مدينة على نحو ميل منها وسموها باسمها وهي الموجودة الآن ولما بنيت هذه المدينة الجديدة كانت وخيمة البقعة ذميمة السكن فلما طالت مدة سكنها وكثر بها الناس والدواب وصرفت المياة الآسنة التي كانت حولها وعملت بساتين ونصبت بها النصوب والغروس خف ثقلها وقل وخمها .
قال في مسالك الأبصار ولما ولي نيابتها أستدمر الكرجي كان لا ينفك عن كونه وخما فشكا ذلك إلى سليمان بن داود المتطبب فأشار عليه أن يستكثر فيها من الإبل وسائر الدواب ففعل فخف وخمها قال وقد سألت عن علة ذلك الكثير من الاطباء فلم يجيبوا فيه بشيء .
قلت لا خفاء أن المعنى في الإبل ما أشار به النبي في أمر العرنيين حين استوخموا المدينة أنهم يقيمون في إبل الصدقة ويشربون من ألبانها وأبوالها ففعلوا ذلك فصحوا فكأن ذلك من خاصة الإبل ولعل التأثير في ذلك للإبل خاصة دون سائر الدواب وهي الآن مدينة متمدنة كثيرة الزحام وبها مساجد ومدارس وزوايا وبيمارستان وأسواق جليلة وحمامات حسان وجميع بنائها بالحجر والكلس مبيضا ظاهرا وباطنا وغوطتها محيطة بها وتحيط بغوطتها مزدرعاتها وهي بديعة المشترف ولها نهر يحكم على ديارها وطباقها