أجوبة يستحسنها الذهن السليم إذا تلقيت بالإنصاف ولا بد من تقديم مقدمة على ذلك وهي أن تعلم أن الخطاب في المكاتبات والوصف في الولايات مبني على التفخيم والتعظيم على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى ومن ثم أتي فيهما بالألقاب المؤدية إلى الرفعة كما تقدمت الإشارة إليه في أول الكلام على الألقاب ثم أثبتوا هذه الألقاب بمعنى الأماكن كناية عن أصحابها من باب مجاز المجاورة وجعلوها رتبة بعد رتبة بحسب ما تقتضيه معانيها اللائحة منها على ما سيأتي بيانه فجعلوا أدناها رتبة الأمير والقاضي والشيخ التي وقع فيها التصريح بذكر الشخص وجعلوا فوق تلك المجلس لتجرده عن الاضافة إلى ما هو في معنى القريب من التصريح وجعلوا فوق ذلك الجناب الذي هو الفناء من حيث أن فناء الرجل أوسع من مجلسه ضرورة بل ربما اشتمل على المجلس واستضافه إليه وجعلوا فوق ذلك المقر الذي هو موضع الاستقرار مع ما يقتضيه من شمول جميع المحلة أو البلد الذي هو مقيم فيه من حيث أنه يسوغ أن يقال مقره محلة كذا أوبلد كذا وتضمنت معنى القرار الذي هو ضد الزوال على ما قال تعالى ( وإن الاخرة هي دار القرار ) وجعلوا فوق ذلك المقام لاستعماله في المعنى العام الذي هو أعم من موضع القيام كما أشار إليه الزمخشري مع ما في معنى القيام من النهضة والشهامة الزائدة على معنى الاستقرار من حيث إن القعود دليل العجز والقصور .
قال تعالى ( وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين رضوا بأن يكون مع الخوالف ) وقال ( وقالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا ) فكان المقام باعتبار ذلك أعلى من المقر ويوضح ما ذكرناه أنهم جعلوا المجلس أدنى المراتب والمقام أعلاها .
أما تخصيصه خطاب الخليفة بالديوان فلبعد تعلقه مع كونه عنه تصدر المخاطبات وعليه ترد على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى