من هذا اجتناب ماء البحر لأن فيه على عقولهم عذرة وبول لا ورطوبات ميتة وكذلك مياه جميع الأنهار أولها عن آخرها نعم وماء المطر أيضا تجد الدجاج يتغذى بالميتة والدم والعذرة والكبش يسقى خمرا أن ذلك كله قد استحال عن صفات كل ذلك وطبعه إلى لحم الدجاج والكبش فحل عندنا وعندهم ولو كثر تغذيها به حتى تضعف طبيعتها عن إحالته فوجد في خواصها وفيها صفة العذرة والميتة حرم أكله وهذا هو الذي أنكروه نفسه وهو مقرون معنا في أن الثمار والبقول تتغذى بالعذرة تستحيل فيها مدة أنها قد حلت وهذا هو الذي أنكروه نفسه وبالله تعالى التوفيق الكلام في الطفرة .
قال أبو محمد نسب قوم من المتكلمين إلى إبراهيم النظام انه قال أن المار على سطح الجسم يسير من مكان إلى مكان بينهما أماكن لم يقطعها هذا المار ولا مر عليها ولا حاذاها ولا حل فيها .
قال أبو محمد وهذا عين المحال والتخليط إلا أن كان هذا على قوله في أنه ليس في العالم إلا جسم حاشا الحركة فقط فإنه وإن كان قد أخطأ في هذه القصة فكلامه الذي ذكرنا خارج عليه خروجا صحيحا لأن هذا الذي ذكرنا ليس موجود البتة إلا في حاسة البصر فقط وكذلك إذا أطبقت بصرك ثم فتحته لاقى نظرك خضرة السماء والكواكب التي في الأفلاك البعيدة بلا زمان كما يقع على أقرب ما يلاصقه من الألوان لا تفاضل بين الإدراكين في المدة أصلا فصح ضرورة أن خلا البصر ولو قطع المسافة التي بين الناظر وبين الكواكب ومر عليها لكان ضرورة بلوغه إليها في مدة أطول من مدة مروره على المسافة التي ليس بينه وبين من يراه فيها إلا يسيرا وأقل فصح يقينا أن البصر يخرج من الناظر ويقع على كل مرئي قرب أو بعد دون أن يمر في شيء من المسافة التي بينهما ولا يحلها ولا يجازيها ولا يقطعها وأما في سائر الأجسام فهذه مجال ألا ترى أنك تنظر إلى الهدم وإلى الضرب القصار بالثوب في الحجر من بعد فتراه ثم يقيم سويعة وحينئذ تسمع صوت ذلك الهدم وذلك الضرب فصح يقينا أن الصوت يقطع الأماكن وينتقل فيها وأن البصر لا يقطعها ولا ينتقل فيها فإذا صح البرهان بشيء ما لم يعترض عليها إلا عديم عقل أو عديم حياء أو عديم علم أو عديم دين وبالله تعالى التوفيق الكلام في الإنسان .
قال أبو محمد اختلف الناس في هذا الاسم على ما يقع فذهبت طائفة إلى أنه إنما يقع على الجسد دون النفس وهو قول أبي الهذيل العلاف وذهبت طائفة إلى أنه إنما يقع على النفس دون الجسد وهو قول إبراهيم النظام وذهبت طائفة إلى أنه إنما يقع عليهما معا كالباق الذي لا يقع إلا على السواد والبياض معا .
قال أبو محمد واحتجت الطائفة التي ذكرنا بقول الله D خلق الإنسان من صلصال كالفخار وبقول الله تعالى فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب وبقوله تعالى أيحسب الإنسان أن يترك سدا ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى وبآيات أخر غير هذه وهذه بلا شك صفة للجسد لا صفة للنفس لأن الروح إنما تنفخ بعد تمام خلق الإنسان الذي هو الجسد واحتجت الطائفة لأخرى بقوله تعالى أن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا وهذا بلا خلاف صفة النفس لا صفة الجسد لأن الجسد موات والفعالة هي النفس وهي المميزة الحية حاملة لهذه الأخلاق وغيرها .
قال أبو محمد وكلا هذين الاحتجاجين حق وليس احدهما أولى بالقول من الآخر ولا يجوز