34 - قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان } يعني : العلماء والقراء من أهل الكتاب { ليأكلون أموال الناس بالباطل } [ يريد : ليأخذون ] الرشا في أحكامهم ويحرفون كتاب الله ويكتبون بأيديهم كتبا يقولون : هذه من عند الله ويأخذون بها ثمنا قليلا من سفلتهم وهي المآكل التي يصيبونها منهم على تغيير نعت النبي A يخافون لو صدقوهم لذهبت عنهم تلك المآكل { ويصدون } ويصرفون الناس { عن سبيل الله } دين الله D .
{ والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم } قال ابن عمر Bهما : كل مال تؤدى زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا وكل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز وإن لم يكن مدفونا ومثله عن ابن عباس .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أخبرنا عبد الغافر بن محمد أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج حدثني سويد بن سعيد حدثنا حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم أن أبا صالح ذكوان أخبره أنه سمع أبا هريرة Bه يقول : قال رسول الله A : [ ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها ومن حقها حلبها يوم وردها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدا تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئا ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ] .
وروينا عن أبي هريرة Bه قال : قال رسول الله A : [ من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة فيأخذ بلهزمتيه يعني : شدقيه ثم يقول : أنا مالك أنا كنزك ثم تلا : { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله } الآية ] .
وروي عن علي بن أبي طالب Bه أنه قال : كل مال زاد على أربعة آلاف درهم فهو كنز أديت منه الزكاة أو لم تؤد وما دونها نفقة .
وقيل : ما فضل عن الحاجة فهو كنز أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أخبرنا عبد الغافر بن محمد أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال : [ انتهيت إلى رسول الله A وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال : هم الأخسرون ورب الكعبة قال : فجئت حتى جلست فلم أتقار أن قمت فقلت : يا رسول الله فداك أبي وأمي من هم ؟ قال : هم الأكثرون أموالا إلا من قال : هكذا وهكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وقليل ما هم ] .
وروي عن أبي ذر Bه أنه كان يقول : من ترك بيضاء أو حمراء كوي بها يوم القيامة .
وروي عن أبي أمامةقال : [ مات رجل من أهل الصفة فوجد في مئزره دينار فقال النبي A كية ثم توفي آخر فوجد في مئزره ديناران فقال النبي A : كيتان ] .
والقول الأول أصح لأن الآية في منع الزكاة لا في جمع المال والحلال قال النبي A : [ نعم المال الصالح للرجل الصالح ] .
وروى مجاهد عن ابن عباس Bهما قال : لما نزلت هذه الآية كبر ذلك على المسلمين وقالوا ما يستطيع أحد منا أن يدع لولده شيئا فذكر عمر ذلك لرسول الله فقال : [ إن الله D لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم ] .
وسئل ابن عمر Bهما عن هذه الآية ؟ فقال : كان ذلك قبل أن تنزل الزكاة فلما أنزلت جعلها الله طهرا للأموال .
وقال ابن عمر : ما أبالي لو أن لي مثل أحد ذهبا أعلم عدده أزكيه وأعمل بطاعة الله .
قوله D : { ولا ينفقونها في سبيل الله } ولم يقل : ولا ينفقونهما وقد ذكر الذهب والفضة جميعا قيل : أراد الكنوز وأعيان الذهب والفضة وقيل : رد الكناية إلى الفضة لأنها أعم كما قال تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة } ( البقرة - 45 ) رد الكناية إلى الصلاة لأنها أعم وكقوله تعالى : { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها } ( الجمعة - 11 ) رد الكناية إلى التجارة لأنها أعم { فبشرهم بعذاب أليم } أي : أنذرهم