4 - { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب } نصب على الإغراء أي فاضربوا رقابهم يعني أعناقهم { حتى إذا أثخنتموهم } بالغتم في القتل وقهرتموهم { فشدوا الوثاق } يعني في الأسر حتى لا يفلتوا منكم والأسر يكون بعد المبالغة في القتل كما قال : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } ( الأنفال - 67 ) { فإما منا بعد وإما فداء } يعني : بعد أن تأسروهم فإما أن تمنوا عليهم منا بإطلاقهم من غير عوض وإما أن تفادوهم فداء .
واختلف العلماء في حكم هذه الآية فقال قوم : هي منسوخة بقوله : { فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم } ( الأنفال - 57 ) وبقوله : { اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } ( التوبة - 5 ) .
وإلى هذا القول ذهب قتادة و الضحاك و السدي و ابن جريج وهو قول الأوزاعي وأصحاب الرأي قالوا : لا يجوز المن على من وقع في الأسر من الكفار ولا الفداء .
وذهب آخرون إلى أن الآية محكمة والإمام بالخيار في الرجال العاقلين من الكفار إذا وقعوا في الأسر بين أن يقتلهم أو يسترقهم أو يمن عليهم فيطلقهم بلا عوض أو يفاديهم بالمال أو بأسارى المسلمين وإليه ذهب ابن عمر وبه قال الحسن و عطاء وأكثر الصحابة والعلماء وهو قول الثوري و الشافعي و أحمد و إسحاق .
قال ابن عباس : لما كثر المسلمون واشتد سلطانهم أنزل الله D في الأسارى { فإما منا بعد وإما فداء } .
وهذا هو الأصح والاختيار لأنه عمل به رسول الله A والخلفاء بعده : .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي حدثنا محمد بن يوسف [ حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا عبد الله بن يوسف ] حدثنا الليث حدثنا سعيد بن أبي سعيد سمع أبا هريرة قال : [ بعث النبي A خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له : ثمامة بن أثال فربطوه بسارية [ من سواري ] المسجد فخرج إليه رسول الله A فقال : ما عندك يا ثمامة ؟ فقال : عندي خير يا محمد إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت حتى كان الغد فقال له : ما عندك يا ثمامة ؟ فقال : عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر [ إن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال سل تعط ] فتركه حتى كان بعد الغد فقال له : ما عندك يا ثمامة ؟ فقال : عندي ما قلت لك فقال : أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله يا محمد والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين إلي والله ما كان من بلد أبغض .
إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إلي وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى ؟ فبشره رسول الله A وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل : أصبوت ؟ فقال : لا ولكن أسلمت مع رسول الله A ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة يأذن فيها رسول الله A ] .
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال : [ أسر أصحاب رسول الله A رجلا من بني عقيل فأوثقوه وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب النبي A ففداه رسول الله A بالرجلينت اللذين أسرتهما ثقيف ] .
قوله D : { حتى تضع الحرب أوزارها } أي أثقالها وأحمالها يعني حتى تضع أهل الحرب السلاح فيمسكوا عن الحرب .
وأصل ( الوزر ) : ما يحتمل الإنسان فسمى الأسلحة أوزارا لأنها تحمل .
وقيل : ( الحرب ) هم المحاربون كالشرب والركب .
وقيل : ( الأوزار ) الآثام ومعناه حتى يضع المحاربون آثامها بأن يتوبوا من كفرهم فيؤمنوا بالله ورسوله .
وقيل : حتى تضع حربكم وقتالكم أوزار المشركين وقبائح أعمالهم بأن يسلموا ومعنى الآية : أثخنوا المشركين بالقتل والأسر حتى يدخل أهل الملل كلها في اإسلام ويكون الدين كله لله فلا يكون بعده جهاد ولا قتال وذلك عند نزول عيسى بن مريم عليهما السلام وجاء في الحديث عن النبي A : [ الجهادماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال ] .
وقال الكلبي : حتى يسلموا أو يسالموا .
وقال الفراء : حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم .
{ ذلك } الذي ذكرت وبينت من حكم الكفار { ولو يشاء الله لانتصر منهم } فأهلكهم وكفاكم أمرهم بغير قتال { ولكن } أمركم بالقتال { ليبلو بعضكم ببعض } فيصير من قتل من المؤمنين إلى الثواب ومن قتل من الكافرين إلى العذاب { والذين قتلوا في سبيل الله } قرأ أهل البصرة وحفص : ( قتلوا ) بضم القاف وكسر التاء خفيف يعني الشهداء وقرأ الآخرون : ( قاتلوا ) بالألف من المقاتلة وهم المجاهدون { فلن يضل أعمالهم } قال قتادة : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد وقد فشت في المسلمين الجراحات والقتل