4 - { إن تتوبا إلى الله } أي من التعاون على النبي A بالإيذاء يخاطب عائشة وحفصة { فقد صغت قلوبكما } أي زاغت ومالت عن الحق واستوجبتما التوبة قال ابن زيد : مالت قلوبهما بأن سرهما ما كره رسول الله A من اجتناب جاريته .
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن عبد الله بن عباس قال : لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي A اللتين قال الله تعالى لهما : { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } حتى حج وحججت معه وعدل وعدلت معه بإداوة فتبرز ثم جاء فسكبت على يديه منها فتوضأ فقلت له : يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي A اللتان قال الله تعالى لهما : { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } ؟ فقال : واعجبا لك يابن عباس هما عائشة وحفصة .
ثم استقبل عمر الحديث يسوقه فقال : إني كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على النبي A فينزل يوما وأنزل يوما فإذا نزلت جئته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحي أو غيره وإذا نزل فعل مثل ذلك .
وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار فصخبت على امرأتي فراجعتني فأنكرت أن تراجعني فقالت : ولم تنكر أن أراجعك ! فوالله إن أزواج النبي A ليراجعنه وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل فأفزعني وقلت : خاب من فعل ذلك منهن .
ثم جمعت علي ثيابي فنزلت فدخلت على حفصة فقلت لها : أي حفصة أتغاضب إحداكن النبي A اليوم حتى الليل ؟ قالت : نعم فقلت : خبت وخسرت أفتأمنين أن يغضب الله تعالى لغضب رسوله فتهلكي لا تستكثري للنبي A ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه وسليني ما بدا لك ولا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي A - يريد عائشة - .
قال عمر : وكنا تحدثنا أن غسان تنعل الخيل لتغزونا فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فرجع إلينا عشاء فضرب بابي ضربا شديدا وقال : أثم هو ؟ .
ففزعت فخرجت إليه فقال : قد حدث اليوم أمر عظيم ؟ فقلت : ما هو أجاء غسان ! قال : لا بل أعظم منه وأهول طلق النبي A نساءه فقلت : قد خابت حفصة وخسرت كنت أظن أن هذا يوشك أن يكون .
فجمعت علي ثيابي وصليت صلاة الفجر مع رسول الله A فدخل رسول الله A مشربة فاعتزل فيها فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي فقلت : ما يبكيك ألم أكن حذرتك ؟ أطلقكن النبي A ؟ .
قالت : لا أدري ها هو ذا معتزل في المشربة فجئت إلى المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم فجلست معهم قليلا / ثم غلبني ما أجد فجئت المشربة التي فيها النبي A فقلت لغلام له أسود : استأذن لعمر فدخل فكلم النبي A ثم رجع فقال : كلمت النبي A فذكرتك له فصمت فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت إلى الغلام فقلت : استأذن فاستأذن ثم رجع إلي فقال : قد ذكرتك له فصمت فرجعت فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت : استأذن لعمر فاستأذن ثم رجع إلي فقال : قد ذكرتك له فصمت .
فلما وليت منصرفا قال إذا الغلام يدعوني فقال : قد أذن لك النبي A فدخلت على رسول الله A فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكئا على وسادة من أدم حشوها ليف فسلمت عليه ثم قلت وأنا قائم : يا رسول الله أطلقت نساءك ؟ فرفع إلي بصره فقال : لا فقلت : الله أكبر ثم قلت وأنا قائم أستأنس : يا رسول الله لو رأيتني وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساؤهم فتبسم النبي A ثم قلت : يا رسول الله لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لها : لا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي A - يريد عائشة - فتبسم النبي A تبسمة أخرى فجلست حين رأيته يبتسم فرفعت بصري في بيته فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر غير أهبة ثلاثة فقلت : يا رسول الله ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارس والروم قد وسع عليهم وأعطوا من الدنيا وهم لا يعبدون الله .
فجلس النبي A وكان متكئا فقال : أو في هذا أنت يابن الخطاب ؟ إن أولئك قوم عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا .
فقلت : يا رسول الله استغفر لي .
فاعتزل النبي A نساءه من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة تسعا وعشرين ليلة وكان قال : ما أنا بداخل عليهن شهرا - من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله D - .
فلما مضت تسع وعشرون ليلة دخل على عائشة Bها فبدأ بها فقلت له عائشة : يا رسول الله إنك كنت أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وإنما أصبحت من تسع وعشرين ليلة أعدها عدا ! فقال : الشهر تسع وعشرون وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين ليلة .
قالت عائشة : ثم أنزل الله التخيير فبدأ بي أول امرأة من نسائه فاخترته ثم خير نساءه كلهن فقلن مثل ما قالت عائشة .
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن [ أن عائشة زوج النبي A أخبرته أن رسول الله A جاءها حين أمره الله أن يخير أزواجه فبدأ بي رسول الله A فقال : إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه قالت ثم قال إن الله قال : { يا أيها النبي قل لأزواجك } إلى تمام الآيتين فقلت : أو في هذا أستأمر أبوي ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ] .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أخبرنا عبد الغافر بن محمد أخبرنا محمد بن عيسى حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج حدثني زهير بن حرب حدثنا عمر بن يونس الحنفي حدثنا عكرمة بن عمار عن سماك بن زميل حدثنا عبد الله بن عباس حدثني عمر بن الخطاب قال : [ لما اعتزل النبي A نساءه وذكر الحديث وقال : دخلت عليه فقلت : يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء ؟ فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك وقلما تكلمت - وأحمد الله تعالى - بكلام إلا رجوت أن الله يصدق قولي الذي أقول ونزلت هذه الآية : { عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن } { وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير } ] .
قوله : { وإن تظاهرا عليه } أي تتظاهرا وتتعاونا على أذى النبي A قرأ أهل الكوفة بتخفيف الظاء والآخرون بتشديدها .
{ فإن الله هو مولاه } أي وليه وناصره : { وجبريل وصالح المؤمنين } روي عن ابن مسعود وأبي بن كعب : { وصالح المؤمنين } أبو بكر وعمر Bهما قال الكلبي : هم المخلصون الذي ليسوا بمنافقين { والملائكة بعد ذلك ظهير } قال مقاتل : بعد الله وجبريل { وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير } أي : أعوان للنبي A وهذا من الواحد الذي يؤدي عن الجمع كقوله : { وحسن أولئك رفيقا } ( النساء - 69 )