للرسول النذير إذ ليس في الفطر مع تصديق النذير الاعتلال بمثل هذا وإذا كان هذا تكذيبا حاق به ما حاق بالمكذبين فإنه لا يقال لأحد من الناس هذا العدو قد قصدك أو هذا السبع أو هذا السيل المنحدر ويقول لا اهرب حتى يخلق الله في الهرب بل يحرص على الهرب ويسأل الله الإعانه وكذلك المحتاج للطعام والشراب واللباس فانه لا يقول لا آكل ولا اشرب ولا البس حتى يخلق الله في ذلك .
الثالث أن يقال مثل هذا الكلام إما يقوله من يريد الطاعة ويعلم أنها تنفعه أو من لا يريدها ولا يعلم أنها تنفعه وكلاهما يمتنع منه أن يقول مثل هذا الكلام فان من أراد الطاعة وعلم أنها تنفعه أطاع قطعا إذا لم يكن عاجزا فان نفس الإرادة للطاعة مع القدرة توجب الطاعة فانه مع وجود القدرة والداعي التام يجب وجود المقدور كما تقدم فمن أراد النطق بالشهادتين مثلا إرادة جازمة نطق بهما قطعا لوجود القدرة والداعي التام ومن لم ينطق علم انه لم يرد ومن لم يرد الطاعة فيمتنع أن يطلب من الرسول ان يخلقها فيه فانه إذا طلب من الرسول أن يخلقها الله فيه كان مريدا لها ولا يتصور أن يقول مثل ذلك إلا مريدا ولا يكون مريدا للطاعة إلا ويفعلها .
الرابع أن يقال له أنت متمكن من الإيمان قادر عليه فلو أردته فعلته وإنما لم تؤمن لعدم إرادتك له لا يعجزك عنه وعدم قدرتك عليه فان قال قل لله يجعلني مريدا للإيمان قيل له إن كنت تطلب منه ذلك حقيقة فأنت مريد للإيمان وان لم تطلب ذلك حقيقة فأنت كاذب في قولك فان قال فكيف يأمرني بما لم يجعلني مريدا له لم يكن هذا طلبا للإرادة بل مجرد عناد ومكابرة ومخاصمة ومثل هذا ليس على الرسول جوابه ولا في ترك جوابه انقطاع لأنه عنيد مكابر في المحسوس وجوابه حينئذ ليس إلا السيف والجهاد فيه ولذلك شرع الله تعالي الجهاد لقمع أهل العناد وردع المكابر من العباد