والمراد بالملكة ههنا كل قوة على شئ ما مستحقة لما قامت به إما لذاته أو لذاتى له وذلك كما في قوة السمع والبصر ونحوه للحيوان والمراد بالعدم هو رفع هذه القوة على وجه لا تعود وسواء كان في وقت إمكان القوى عليه او قبله وذلك كما في العمى والطرش ونحوه للحيوان فعلى هذا إن اريد بالتقابل ههنا تقابل السلب والإيجاب في اللفظ حتى إذا لم يقل إن البارى ذو سمع وبصر لزم أن يقال إنه ليس بذى سمع ولا بصر فهو ما يقوله الخصم ولا يقبل بعينه من غير دليل وإن أريد به ما هو من قبيل المتضايفين فهو غير متحقق ههنا ومع كونه غير متحقق فلا يلزم من نفى أحد المتضايفين وجود الآخر ألبته بل ربما يصح انتفاؤهما ولهذا يقال زيد ليس بأب لعمرو ولا بابن له ايضا وإن أريد به ما هو من قبيل تقابل الضدين فإنما يلزم أن لو كان واجب الوجود مما هو قابل لتوارد الإضداد عليه وذلك مما لا يسلمه الخصم وليس عليه دليل كيف وإنه لا يلزم من نفى احد الضدين وجود الآخر بل من الجائز أن يجتمعا في العدم والسلب ولهذا يصح أن يقال إن البارى تعالى ليس بأسود ولا أبيض ولو لزم من نفى احد الضدين وجود الآخر لما صدق قولنا بالنفى فيهما وأما إن أريد به ما هو من قبيل تقابل العدم والملكة فلا يلزم أيضا من نفى الملكة تحقق العدم ولا من نفى العدم تحقق الملكة ولهذا يصح أن يقال الحجر ليس باعمى ولا بصير نعم إنما يلزم العدم المذكور من ارتفاع القوة الممكنة للشئ المتسحقة له لذاته او لذاتي له كما بينا والقول بارتفاع مثل هذه القوة في حق البارى يجر إلى دعوى محل النزاع والمصادرة على المطلوب وهو غير معقول .
فإذا السبيل الذليل في إثبات الصفات إنما يتضح بالتفصيل وهو أن نرسم في كل واحد منها طرفا ونذكر ما يتعلق به من البيان ويختص به من البرهان ونكشف عما يشتمل عليه من الاقاويل الصحيحة والفاسدة ولتكن البداية بتقديم النظر في صفة الإرادة أولا