المباركة تجسد بأحسن صورة العمومية والمبدئية (المنشأ) المنسجمتين: "وللهِ المشرقُ والمغربُ فأينما تولُّوا فثمَّ وجهُ اللهِ إنَّ اللهَ واسعٌ عليمٌ" وبالإضافة إلى إرجاع العالم إلى أصل واحد حيث يكشف عن وجود الذات والغاية بالنسبة للإنسان والطبيعة، فإن الله تبارك وتعالى يشير إلى الجوهر الذي منه المنشأ وإليه تؤول الأمور والأشياء في قالب "إنا لله وإنا إليه راجعون". إن هذه الذاتية والجوهرية نلاحظها في أمر خلقة الإنسان سواءً الرجل أو المرأة في تعبير "النفس الواحدة" المذكور في الآية الأولى من سورة النساء المباركة: "يا أيها الناسُ اتقُوا ربَّكمُ الذي خلقَكُم من نفسٍ واحدةٍ وخلقَ منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقُوا اللهَ الذي تساءلونَ بهِ والأرحامَ إنَّ اللهّ كانّ عليكُم رقيباً". كما أن الذاتية والمبدئية اللتين لهما تبعات وآثار عقائدية وسلوكية، تتجليان في حلقة الوصل الواحدة والقاسم المشترك بين القبائل والشعوب والأديان المختلفة، والمتمثل بالإيمان والتقوى والأعمال الصالحة: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عن ربهم ولا خـوف عليهم ولا هم يحزنون" سورة البقرة- (62) وكذلك: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليـم خبير" سورة الحجرات- (13) وبالإضافة إلى الإعتراف بالأديان الأخرى، مع الأخذ بعين الإعتبار مسألة التفضيل التي أشارت إليها الآية (253) من سورة البقرة المباركة "تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض"، فإن الباري تبارك وتعالى يعتبر الإيمان بكافة الرسل والأنبياء من سمات المؤمنين: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكـته وكـتبه ورسلـه لا نفـرق بين أحـد مـن رسلـه وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" سورة البقرة- (285) إن هذه الآية تشبه الآية (62) من سورة البقرة المباركة، إذ تحكي عن الصلة المشتركة والهوية الموحدة للأنبياء في مسيرة هداية الإنسان وتبيين الآيات الإلهية. النظرة العامة للعالم والوجود تلاحظ في تعابير من قبيل "يسبح لله ما في السموات وما في الأرض" أو "سبح لله ما في السموات وما في الأرض"، بل وحتى يمكن ملاحظة ذلك في حشر كل ذي حياة في العالم: "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتـاب من