(ب) الطواف: ويوحي بعالم من المشاعر: فمنها: التسامي الإنساني، حيث يجد الإنسان نفسه وهو يطوف حول البيت يتشبّه بملائكة الله المطيفين بعرشه، كما يعبّر أمير المؤمنين (عليه السلام) ([35]). ولمّا كان العرش هو محور حركة الكون فإنّ الكعبة هي محور حركة الأرض إلى الله تعالى... وهذا الشعور يؤدّي إلى شعور آخر ملزم بالعمل على أنْ تكون الكعبة محور الحركة بالفعل ولا يتمُّ ذلك إلاّ إذا انضمّت كلُّ الأرض إلى الإسلام الأصيل، وانتفى وجود طواغيت الشرّ، وآمنت الأرض بربّها ودينها. ومن تلك المشاعر ـ وتبعاً للشعور السابق ـ يولد عنصر التعلّق بعالم الغيب الذي يجسِّده هذا اللقاء المقدّس، وهذا الحجر المقدّس، فيتمّ الإشباع المتوازن للحسّ والمعنى في الإنسان، وبذلك يتحقّق أحد مقوّمات الشخصية المسلمة. قال تعالى: (يُؤمِنُونَ بالغَيبِ ويُقيمُونَ الصَّلاة) ([36]). ومنها: تركيز وحدة الهدف والمسير، فإنّ الطواف يرمز إلى التحرّك حول محور معيّن، والمحور هنا واحد وهوالكعبة، بينما تتعدّد محاور الكفر (الجمرات الثلاث). ومنها: العمل الجادُّ لحفظ المحور الإسلامي الرئيس، وبالتالي كلّ عَلَم يُرفَع للإسلام، ويتأكّد هذا بملاحظة: الروايات التي تجعل الكعبة (منارَ الإسلام) وحينئذ تنتفي كلّ معاني الخمول والخنوع للظّالمين، والاستسلام للقوى العظمى، وتحلّ محلّها معاني الثورة والتحرّك التغييري الواسع للمسلمين.