وجود المسلم من خلال التزامه إياها: منها: الشعور بلزوم مراقبة النفس ذلك أنّ المسلم إذ يُحْرم يدخل دخولاً خاصّاً في حمى الله ومراقبته الشديدة، وحينئذ فعليه الانتباه الشديد والمراقبة الدقيقة، والامتناع المتواصل ـ بقصد القربة ـ عن محرّمات كان عليه سابقاً أنْ يمتنع عنها ولو لم يقصد القربة، ومحرّمات أُخرى كانت عليه حلالاً في حياته العادّية فاعتادها، ولكنّه الآن في مقام آخر، فعليه الالتزام الدقيق، فيجب عليه أنْ لا يقتل هوامّ البدن فهي هنا في أمان، وأنْ لا يشمّ الطيب، وأنْ لا ينظر في المرآة، وأنْ لا يتدهّن، وأنْ لا يلمس المرأة التي كانت عليه حلالاً قبل الإحرام، وأنْ لا يقلع شعرةً من بدنه، وهكذا باقي المحرّمات الأُخرى. وإنّ من يتأمّل عمليّة الإحرام تأمّلاً عميقاً يدرك أنّ الإحرام تربية للمرء على مراقبة النفس بشدّة، يعي حركة رجله فلا تطأ نباتاً، وحركة يده فلا تقتلع شعرةً أو تقتل هامّةً، وحركة عينيه فلا تنظر في المرآة، وأنفه فلا يشمّ طيباً، واُذنه فلا تسمع ما لا يرضي الله، ولسانه فلا ينطق في رفث أو جدال أو فسوق في الحجّ، وميوله الجنسيّة فلا تدفعه لارتكاب ما يستجيب لها، وهكذا تحمّـل حرارة الشمس والامتناع عن التظليل وغير ذلك. ومنها: تربية عنصر الإرادة فهذا الصيد في متناول الأيدي والرماح، ولكنّه الأمر الإلهيّ بالامتناع. فالحرم حرم الله الآمن، إذ أنّه المنطقة الآمنة الوحيدة في العالم من ممارسة الصيد، وما يحقّق الإمتاع الجنسي الحلال متوافر ولكنّه الأمر الإلهيّ بالامتناع. والجميل في الأمر هنا: أنّ الامتناع يعني: الكبح المتواصل للنفس في كلّ آن، وعند ملاحظة اشتراطه بقصد القربة نكتشف مدى التأثير التربوي المتواصل الذي يتركه في شعور المسلم الحاجّ، فهو في هذا شبيهٌ بما يتركه الصوم من أثر.