يصوّر مدى عمق الروابط المتينة بين أتباع المدرستين، في نقل وتدوين الروايات الصحيحة على طول الإعصار. وإنّما التأكيد على هذه النقطة بما تحمل من أهمّية قصوى في مقام الردّ على أُولئك الذين وضعوا المدرستين على جانبين متخالفين، وأيضاً أُولئك الذين تشوب قلوبهم الأمراض فتنعكس على الآراء والنظرات التي يحملونها تجاه كلا المدرستين، فيفتعلون الأقاويل، ويصوغون الأكاذيب في مجال نقل الحديث ثم ينسبونها إلى إحدى المدرستين الأصيلتين ويلصقونها بها. ومن الجدير ذكره هنا أنّ الروايات المشتركة إنّما هي تراث متنوّع وزاخر، وتمتدّ إلى مساحات ذي أبعاد مختلفة، لتشمل الجانب الأخلاقي والعرفاني والسياسي و.. و..، والأهمّ من كلّ ذلك: الجانب الفقهي والاعتقادي. ومع أنّ الشيعة وأهل السنّة قد اختار كلٌّ منهما عملياً طريقاً يختلف عن الآخر بعد رحلة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، لكن ما يجدر ملاحظته هنا هو أنّهما في ظلّ وجود شخص النبي كانا على جانب عظيم من التعاون والرغبة المشتركة، ويعيشان تحت ظلّ عريش واحد، تجمعهما الأهداف المشتركة وتربطهما الروابط المختلفة، لكن بمرور الزمان وجريانه السريع بدأت هذه الروابط تفقد صبغتها الأصلية، وشرعت من ثمَّ بالانفكاك رويداً رويداً باضطّراد مملّ، كلّما يمضي يوم على زمان رحلته (صلى الله عليه وآله) تزداد الشقّة، وتنحسر الروابط. ونتيجة لتداخل جملة عوامل خارجية أخذت الهوّة بينهما بعد زمن الأئمة تزداد سعةً، وراح كلٌّ منهما ينكمش بعيداً عن الآخر، متّخذاً قالباً خاصّاً، سالكاً منهجاً مميّزاً يختلف عن الآخر في خطوطه ولغته ومنطقه، واستمرّت هذه الحركة في تصاعد غارق باتّجاه بعيد عن الآخر، ثم ظهر منطق الجدال والسجال، ولغة النقد المفرط، وبلغت الحركة أوجها حيث بدأت المواقع المشتركة بينهما بالضمور والتلاشي شيئاً فشيئاً، إلى أن انحسرت أو كادت جميعها بسبب هذه اللغة المفرطة في الطعن والتنكيل. وما زلنا اليوم نعاني من ظلّ هذا الأدب المفرط الثقيل، ومن إفرازات هذه اللغة