إذ قدّمت هذه الثروة جملة من الحلول الناجعة للمسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية المستعصية التي واجهت الدولة الإسلامية في جميع أطوار حياتها، ولم تتوان في إرساء دعائم الدولة وتقوية أركانها أمام هجمات وغزوات الآخرين، من دون أن يحول بينها وبين تقديم هذه المعونة أيّ مانع، مقدّمة مصلحة الأمة والدولة الإسلامية على مصالحها الشخصية ومنافعها الذاتية. فقد اشتهر عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) أنّه أنقذ الدولة الإسلامية وكيان المجتمع لأكثر من مرّة من سلسلة الهجمات والتهديدات التي كان يمارسها ملوك الروم آنذاك. ولعلّ أهمّها وأخطرها تهديد ملك الروم في عهد عبد الملك بن مروان، الذي استغلّ حاجة المسلمين إلى النقد لإذلالهم وطعن الدولة بطعنة اقتصادية مميتة، فاستدعى الخليفة الأموي أصحاب الخبرة في المجال الاقتصادي، فاعتذروا بعدم معرفتهم بالأنظمة النقدية، وجهلهم الكامل بهذا الموضوع، فلا محيص من الخضوع لإرادة الروم في هذا الجانب الحيوي والخطير للدولة، وهذا يعني سقوط الدولة اقتصادياً ثم سياسياً، حتّى قيل له بالإمام علي بن الحسين: «فهو ركنك الوثيق» فراجعه، فأجابه ولم يبخل عليه بجواب يحلّ معضلة الدولة الراهنة، فاقترح عليه خطّة جديدة تهدف الاستقلال التام في السياسة المالية، من خلال استحداث عملة إسلامية رسمية موحّدة ومستقلّة يمكنها من تحدّي النظام الاقتصادي العالمي آنذاك وتنافسه، فوضع له برنامج عمل دقيق في هذا الاتجاه، كما وضع له أنموذجاً للمسكوكات الجديدة، تحمل الصفات العالمية، وترفع شعار الدولة الإسلامية، لتضاهي عملات الآخرين وتنافسها، فأنقذ بذلك الدولة والمسلمين من هذه المعضلة التي كادت تنهي الدولة، وتأتي على كيان الأمة، وأوجد لها عزّاً وكرامة لا يضاهيان([1]). لقد كان هذا مصداقاً حيّاً لما تمتّع به أهل البيت من أصالة وموضوعية تجاه القضايا الحادثة في مواجهة الدولة الإسلامية، وبُعد نظر وعمق رؤية تجاه الأحداث الحاصلة في طول المسيرة الإنسانية الكبيرة. فلم يفكّروا مرة واحدة باستغلال الفرص المتاحة لهم، أو يمرّروا في ذهنهم فكرة