زارها وضرع إلى الله تعالى، فانحسرت غمومه وانقشعت همومه، وكم من خائف مذعور من جور إلى حيف أو ظلم إلاّ وقد لقي الإنصاف، وباعد الله عنه الظلم وأزال عنه العسف، فسكن قلبه، وعاد بعد زيارتها وهو وادع الحال، ساكن البال، مطمئنّ الفؤاد، فمقامها من الأماكن المعروفة باستجابة الدعاء. وكراماتها بعد وفاتها كثيرة، وهي آية على إكرام الله تعالى إيّاها، وعلى ما خصّ الله به آل بيت نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) من كرامات، وأسبغ عليهم من نفحات وفيوضات: 1 ـ قال أبو موسى(رحمه الله): دخلت إلى ضريحها فوضعت يدي على الضريح، فسمعت قائلا: أهكذا تدخل على أهل بيت النبوّة؟! 2 ـ وقال بعض المؤرّخين: كان بمصر رجل يقال له: عفّان بن سليمان المصري، فوجد بداره كنزاً دفيناً، فأخذ يتصدّق من هذا المال على الفقراء والمساكين والأيامى واليتامى والمحتاجين، فأمعن في صدقاته، حتّى كان لا ينام ليلة حتّى يطعم خمسمائة بيت من أهل مصر، وكان يتلقّى الحجّاج كلّ عام من أرض التيه، وكان يحمل المنقطعين منه، ويكشف حاجتهم وينفّس كربهم. وفي بعض الأيام اشترى من الأمير أحمد بن كيغلغ ألف حمل من البرّ، وبعد أيام قلائل وقع غلاء بمصر، فزاد ثمن البرّ عن سعره بثلاثة أمثال، فبعث إليه وأحضره بين يديه، فقال له ابن كيغلغ: خذ ثمن البرّ الذي اشتريته منّي واردد البرّ، أو ادفع ثمنه بالسعر الحاضر، فقال له عفّان: لا أفعل ذلك، ثم خرج عفّان من عند الأمير غضبان أسفاً، وذهب إلى داره وجلس على الباب، فجاء إليه القوم وقالوا له: انظر ما وقع في الناس من جدب وغلاء، ومهما طلبت في البرّ الذي عندك من ثمن فإنّا على استعداد لدفعه عن طيب خاطر، فقال لهم: لا والله تعالى، فإنّي إنّما أدخر الثمن عند الله عزّوجلّ، وإنّي قد تصدّقت به على الفقراء والمساكين والأيامى والأرامل، ثم قام من وقته وفرّقه جميعه، ولم يبق منه إلاّ ما يسدّ حاجته وحاجة أهله. فبلغ ذلك تكين بن عبدالله الحربي الأمير ; أبا منصور المعتضدي الخزري، أمير مصر، وكان جبّاراً مهيباً، وقد شكاه أهل مصر إلى العارف بالله تعالى بنان بن أحمد الواسطي الواعظ، فدخل عليه ووعظه وقال له: ارجع عن أهل مصر، فلم يرجع ولم يسمع، وأمر بإخراج بنان إلى بلاد المغرب، فشكاه أهل مصر إلى العارف بالله تعالى الشيخ أبي الحسن