عاش، يجده مدرسةً بحدّ ذاته، ونبع بركة يفور منه الخير والصلاح والخُلق الكريم، سواء كان في الجزيرة العربية أو في العراق أو مصر أو المغرب أو... فحاله هو هو، وسلوكه هو هو، لا تمنعه العقبات الجغرافية عن تقديم المعونة للآخرين، ولا تصدّه الحواجز النفسية: قطرية أو قومية وماشاكل عن المساهمة في مساعدة الناس. أي أنّهم قد جسّدوا الثقافة التقريبية في سلوكهم اليومي، وبالتالي خطوا الخطوة الأولى نحو الوحدة والتقريب بين أطراف المسلمين. لقد ساهموا بأفعالهم وأقوالهم في إنشاء تيار من الوعي التقريبي الصحيح للأجيال المتعاقبة، من خلال تعريف الرسالة الإسلامية وصاحبها بالصورة الصحيحة، وتوجيه مشاعر المسلمين في غرب البلاد وشرقها باتجاه كتابهم الكريم، وتمتين العلاقات والوشائج فيما بينهم، ورفض كل الحواجز المصطنعة بينهم. وهذا ما دعا إلى تهافت الناس: عالمهم وجاهلهم، كبيرهم وصغيرهم، أبيضهم وأسودهم، إلى الالتفات حول مشاهدهم المشرّفة، وتقبيل أضرحتهم، ولثم صفحات قبورهم، وتلاوة الأدعية والزيارات المأثورة لأرواحهم، ليترجموا وفاءهم وحبّهم لهم. وليس هذا فحسب، بل تبارى العلماء والمفكّرون، والأدباء والمثقّفون في الكتابة عنهم، والثناء عليهم من خلال سرد سيرتهم الحسنة، وتحليل مواقفهم، بالتأليف تارة وبالتدريس أخرى. فقد أُلّفت عشرات الكتب التي تحكي فضائلهم، وتتحدّث عن مناقبهم الشريفة. فكما صنّف ابن خالويه (370 هـ ) وهو إمام اللغة والنحو، وابن أبي حاتم الرازي (327 هـ ) وهو إمام في الرجال، وهكذا ابن حجر (973 هـ )، وابن الفحام الفقيه المعروف (458 هـ )، وابن جرير الطبري (310 هـ ) وهو إمام في الحديث والتاريخ، وهكذا جلال الدين السيوطي (911 هـ ) والسخاوي الحافظ (902 هـ )، والفخر الرازي (606 هـ ) وهو إمام في التفسير، كذلك صنّف القاضي الجعابي (355 هـ )، والسبط ابن الجوزي (654 هـ )... ، وابن الطيب المغربي الفاسي (1187 هـ ) في منظومته المسمّاة «الدرّة الفريدة في العترة المجيدة».