الفصل الحقيقي يكمن في طريقة البحث، وأهدافه: ذلك أنّ البحث المذهبي يحافظ على طابعه حتى لو تناول الإنتاج، وكذلك البحث العلمي حتى لو تنازل (التوزيع). ففكرة (التخطيط المركزي للإنتاج)ـ التي تتيح للدولة وضع سياسة إنتاجيّة مركزيّة ـ هي إحدى النظريّات المذهبيّة رغم أنّها لا تعني تملّك الدولة لوسائل الإنتاج وتزويعها، في حين أنّ (ريكادرو) حين قرّر أن نصيب العمّال من الإنتاج المتمثّل في أجورهم لا يرتفع عن مستوى الكفاف، لم يقصد أن يقرّر أمراً مذهبيّاً، بل أراد أن يشرح الواقع وهي وظيفة عمليّة. إذن فكلٌّ من المذهب والعلم يدرسان (الإنتاج) و(التوزيع) إلاّ أنّه يجب التمييز بينهما لئلا يقع الإنسان في الخلط ممّا أدّى بالبعض إلى إنكار وجود اقتصاد إسلامي بعد أن ظنّوا أن القول بوجوده يعني أنّ هناك بحوثاً إسلامية سبقت (آدم سميث) و(ريكاردو) مثلا!! في علم الاقتصاد. وخلاصة الفرق بينهما: إنّ المذهب الاقتصادي يشمل كل قاعدة تتّصل بفكرة (العدالة الاجتماعية). وعلم الاقتصاد يشتمل كل نظريّة تفسّر واقعاً في الحياة الاقتصادية دون أن يكون هنا كمثل أعلى يستند إليه. ففكرة (العدالة) هي الحد الفاصل بين (العلم) و(المذهب) لأنها ليست حسّية أو قابلة للتجربة، بل هي تقويم خلقي، وبالتالي فليست فكرة تجريبية علميّة بذاتها. وهي إذا اندمجت مع أية فكرة أُخرى; طبعتها بالمذهبيّة وأبعدتها عن التفكير العلمي وذلك من مثل فكرتي (الملكية الخاصة) أو (الحريّة الاقتصادية) أمّا مثل قانون (تناقض الغلّة) أو (العرض والطلب) فهي أمور علميّة محضة لا تريد أن تحكم بعدالة شيء أو مخالفته للعدالة وإنّما هي تقرّر حقيقة واقعة. إلاّ أنّ هذا الفصل لا يمنع من اتخاذ المذهب إطاراً للبحث العلمي أحياناً فإنّ قانون (ريكاردو) الذي أشرنا إليه وهو قانون (الأجور الحديديّة) لا يصدق علميّاً إلاّ في مجتمع يطبّق الرأسماليّة المذهبيّة. وعلى أساس الفصل الذي ذكرناه نقول أنّ الإسلام لا يطلب منه البحث عن (العرض والطلب) وتأثير زيادتهما وأمثاله، وإنّما يطلب منه إصدار الرأي في حريّة السوق أو لزوم