اللغة، وذلك: لأن الإشارات الطبيعية الحسية تحصر الإنسان في واقعه المحسوس ولا يمكنها أن تنفع في مسألة تغيير الواقع أولا، أو تنفع في التعبير عن الروابط والنسب القائمة بين الأشياء المحسوسة التي يراد تغييرها ثانياً. ولذلك فلا يبقى مناص إلاّ أن توجد اللغة فتقوم بتلك الوظائف. وهكذا عرفنا: إن الماركسية قد عملت على استغلال نظرية بافلوف لصالح إثبات (المادية التاريخية). ولكننا قلنا بأنه حتى لو كانت نظرية بافلوف في الأفكار صحيحة، وسلمنا ـ جدلا ـ بأن كل الآراء المجردة للإنسان تابعة للمنبهات الشرطية فإن ذلك لا يعني أبداً أن اللغة هي أساس الفكر، لأن المنبهات الشرطية لا تنحصر بها... وبالتالي فقد رأينا أن السير الطبيعي هو أن نقول بأن الاشتراطات الطبيعية قد جعلت الإنسان يفكر تفكيراً مجرداً، وبهذا عمل على الارتفاع عن واقعه المحسوس لأجل تغييره، ولما كان ذلك يتطلب مساعدة الآخرين فقد دخل معهم في عملية التغيير واحتاج حينذاك لأن يعبر عن أفكاره في التغيير للآخرين فلم يجد إلاّ اللغة وسيلة لذلك. فالتفكير هو سر طلب التغيير، وطلب التغيير هو سر التجمع للتغيير، وهذا الأخير هو سر وجود اللغة في حياة الإنسان. ومن هنا فقد فسرنا أمرين هامين يعجز عن تفسيرهما الإدعاء الماركسي الأنف، وهما: 1ـ لماذا وجدت اللغة في حياة الإنسان دون غيره؟ 2ـ لماذا لم يوجد مجتمع كمجتمع الإنسان لأي كائن حي آخر؟