إلاّ إذا أثبتت التجربة والملاحظة الدقيقتان عدم إمكان أي تفسير آخر لهذه الظاهرة والحادثة. فإذا رأينا رجلا يلتزم بالعبور من شارع معيّن في زمان معيّن أمكننا أن نفترض مثلا: أ ـ أنه موضع في مصنع يقع في نهاية الشارع. ب ـ أنه يراجع طبيباً يسكن في تلك المنطقة. ج ـ أنه مدرس في مدرسة تقع في تلك النواحي وغير ذلك. ولن يكون التفسير الأول علمياً إلاّ إذا ثبت علميّاً بطلان كل الافتراضات الباقية. مثال من الماركسية: إن الماركسية تعتقد أن «الدولة» تنشأ على أساس اقتصادي وملخص الأمر ـ عندها ـ أن الصراع يقوم بين الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج، والطبقة الضعيفة التي لا تمتلك شيئاً، وبموجب ذلك تقوم الطبقة الغالبة المتفوقة بإنشاء (الدولة) لحماية مصالحها ومنافعها الاقتصادية. وهذا التفسير الماركسي يبقى غير علمي مادام من الممكن أن نفسر ظاهرة نشوء الدولة مثلا بما يلي: أ ـ تعقيد الحياة المدنية وتكاثر الوظائف الاجتماعية. وذلك كما نجده في: مصر القديمة: فإن فيضان الأنهار ولزوم تنظيم شؤون الري كان يحتاج إلى المؤسسة التي تشرف على الحياة الاجتماعية وإدارة الأمور المختلفة، ولذا تمتعت طائفة (الإكليروس) بنفوذ سياسي مهم نظراً للعلوم التي كانت تتقنها لا للطبقة التي تنتمي إليها. وكذا في الدولة الرومانية بعد غزو الجرمان لها وحصول الضعف العلمي الكبير، فإن رجل الدين الكنيسي كان هو الذي يقوم بوظائف الإدارة الحكومية نظراً لمعرفته للقراءة والكتابة وحساب الشهور وغير ذلك لا لنوعية الطبقة التي ينتمي إليها أيضاً وهكذا كان الوجود السياسي لهؤلاء متوقفاً على الامتيازات الفكرية وسبباً للوجود الاقتصادي، بعكس ما تقوله الماركسية في فرضيتها. ب ـ العقيدة الدينية التي أسست دولا تتمثل في جماعات ليس لها مصلحة طبقية واحدة وإنّما تشترك في صفة دينية واحدة.