@ 306 @ ونشأ بها فى نعمة أبيه وكان أبوه كاتبا فى العمارة السليمانية بالميدان الاخضر وكان ذا ثروة عظيمة يضرب به المثل فى كثرة المال وجده يونس رومى ورد فى خدمة السلطان سليم لما جاء الى دمشق واستخلصها من أيدى ملوك الجراكسة وأما لطفى هذا فان والده مات وهو فى سن خمس وعشرين تقريبا وخلف له ما ينيف على عشرين ألف دينارا ومن الملبوس الفاخر والاملاك شيئا كثيرا فسلك أولا طريق العلم فقرأ ودأب وأخذ الصرف والنحو والمعانى عن العلامة الكبير علاء الدين بن عماد الدين الاحدب وأخذ الفقه والاصول عن علماء ذلك العصر والحديث والتفسير عن البدر الغزى وأتقن فنونا كثيرة وتأدب كثيرا ونقلت من خط الحسن البورينى أنه رافقه فى القراءة على فاضل الشرق العماد السمرقندى لما ورد دمشق صحبة الوزير حسن باشا ابن محمد باشا قال وقرأنا عليه المعقولات فتشاركا فى هداية الحكمة والمنطق والهيئة وكنا كل يوم نقرأ عليه فى درس واحد وذلك فى فن واحد لا غير وفى يوم آخر نقرأ دروسا فى غير ذلك وكان ذلك الدرس الواحد يطول من كثرة التحقيقات من مطلع الشمس الى وسط النهار وكان العماد المذكور فى المعقولات كالسعد التفتازانى فى عصره فاستمرت قراءتنا عليه فى تلك الفنون الثلاثة مدة ثلاث سنين انتهى ثم بعد ذلك تنقلت بلطفى الاحوال وابتلى فى بصره من كثرة الرمد والوجع فقل نظره جدا من تراكم الوجع على عينيه فكان له شوق لحفظ كلام الله تعالى قيل انه اشترى جارية حسناء وكانت تقرأ القرآن أحسن قراءة فحفظه منها أتم حفظ وكان له طلبة يطالعون له الكتب بأجرة وهو يحفظ ما يسمع من العبارات من قراءتهم حتى حفظ كتبا كثيرة فى سائر الفنون فصار آية عظيمة فى جميع الفنون خصوصا فى فنون الادب برمتها وكان اذا أراد ايراد شئ من هذه الفنون يملى العبارات كما هى من حفظه ثم ترك القراءة واشتغل بهوى نفسه وعاشر القينات والغلمان ومما اتفق له أنه تعشق ولدين للشرفى يحيى بن شاهين الصالحى أحدهما يدعى ابراهيم والآخر درويشا وكانا بارعين فى الجمال وصرف عليهما جميع ما اقتناه من تراث أبيه وكان يوقد بحضرتهما فى مجلس المدام ثلاث شمعات من الشمع العسلى ويضع فى كل واحدة ما يزيد على خمسين دينارا فكلما ذاب منها شئ يسقط دينار فيتنا وله أحد الغلامين ودام على هذا زمانا حتى فقد منه المال وأثرى ابراهيم وصار ذا دائرة واسعة وبقى هو صفر اليدين وآل أمراه الى بيع