ـ(49)ـ
الالتزام والتعهد، فإذا التزم الثقة الأمين بمالٍ في ذمته وثقت به وجعلته كمالٍ في يدك أو صندوقك، وكذا العقلاء: يعتبرون أن لك مالاً عنده، أما من لا عهدة لـه ولا ذمّة: كالسفيه والمجنون والصغير، بل والسفلة من الناس الذين لا قيمة لأنفسهم عندهم الذي يعدك ويخلف ويحدثك فيكذب ويلتزم لك ولا يفي بالتزامه فهؤلاء لا ذمّة لهم ولا شرف، والتزامهم عند العقلاء هباء، ولا يتكون من التزامهم عند العرف مال.
فالمال إذاً نوعان: خارجي عيني (وهو: النقود والعروض) ـ وقد علمنا أن ماليتها اعتبارية ـ واعتباري فرضي (وهو: ما في الذمم والعهدة)، والالتزام تأثيره لا ينحصر بالمال، بل يتمطى ويتسع حتى يحتضن جميع العقود بل وكافة الإيقاعات، ألا ترى أن البيع إذا صهره التمحيص لم تجد خلاصته إلاّ تعهداً والتزاماً بأن يكون مالك للمشتري عوض ماله الذي التزم أنه لك، فيترتب على هذا الالتزام مبادلة في المآلين بانتقال مال كل واحدٍ إلى الآخر، ويتحقق النقل والانتقال كأثرٍ لذلك الالتزام. وهكذا الإجارة والجعالة، بل والإيقاع: كالعتق والإبراء، بل والنكاح والطلاق كلها تعهدات والتزامات وإبرام ونقض وحل وعقد تباني عقلاء البشر من جميع الأمم والعناصر على اتباعها، والعمل بها كقوانين لازمةٍ ودساتير حاسمةٍ يسقط عن درجة الإنسانية من لا يلتزم بها في كل عرفٍ ولغة.
ثم لما انبثق نور الإسلام بشريعته الغراء أكدت وأيدت تلك الوضعية الحكيمة والقاعدة القويمة، وأقرت العرف على معاملاتهم والتزاماتهم بتعهداتهم والتزاماتهم بعمومات (أوفوا بالعقود) و(تجارة عن تراضٍ) ونظائرها، إلاّ ما ورد عنه النهي بالخصوص: كبيع الربا وبيع الضرر وأمثاله...) إلى آخر كلامه أعلى الله مقامه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين