ـ(51)ـ
الإلهي، ولغتهم القومية، وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت! عند ذلك تداركتهم رحمة الله تعالى، وقام غير واحدٍ من رجال الدين يبلغون كلمات الله ويحذرون المسلمين من الخطر الذي أحدق بهم.
فطفقت الشعوب تهب من نومتها شيئاً فشيئاً، وتحركت النفوس، وتبصرت الفرق بأن أعداءهم يشنون الغارات عليهم من كل جانب، ويحتلون أراضيهم ويستغلون مصادر ثرواتهم، وتفطنوا إلى أن هذا الاستيلاء لم يتحقق إلاّ من جهة تشتتهم، فلا تبالي أمة بما يجري على الأخرى!!
وأخطر وأهم من هذه الهجمة العنيفة أن العدو المسيطر كان قد تقدم في ميادين العلم أشواطاً واسعةً، في حين أنّ الأمة الإسلاميّة على اختلاف أجناسها وبيئاتها كانت تخوض في المباحث غير اللازمة، والمناقشات التي تنتهي إلى الاشتباكات الدامية أحياناً!.
عند ذلك قام بعض ذوي الغيرة على الإسلام من العلماء ودعاة الدين بدراسة الشعوب وإلفات أنظار العلماء خاصة، وطلبوا منهم أن يدرسوا الموقف درساً عميقاً ليصلوا إلى نقاطٍ مشتركةٍ، ويواجهوا العدوّ، ويثبتوا قبال التيارات التي تهدّد كيان الإسلام.
ولم يكن مع الأسف لهذه الدعوة صدى عميق وإن استجاب لها عدد من الشخصيات البارزة من جملتهم: العلماء والكتاب، وكان السبب هو تفكك الأمة إلى وحداتٍ متباينةٍ من ناحية الميزات العنصريّة والأشكال الإقليميّة والمناقشات العقائدية، ولم يكن ذلك يفسح المجال لتؤثر الدعوة أثرها المطلوب فتصل إلى الآفاق البعيدة.
وبعد ما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، وبعد ما ذاقت الأمة الإسلاميّة ألواناً مرةً من الهدم والنهب والقتل، وبعد ما تنبهت الشعوب إلى أن تلك الخسائر التي تحملتها لم تكن إلاّ نتيجة التفكك وعدم التفاهم بين أتباع المذاهب، قام عدد من علماء الأزهر الشريف مع عددٍ من علماء إيران والعراق، وأنشأوا دار التقريب بين المذاهب