ـ(95)ـ
المناظرة والبحث العلمي التي كانت تعقد مع رؤساء الديانات الأخرى ومع الزنادقة فضلا عما كان يعقد من جلسات المحاورة بين علماء المسلمين أنفسهم لتبادل الآراء فيما بينهم، وكان لكل منهم طريقته المعينة في فهم الآية أو الحديث، ولكل اجتهاده الخاص، ومهما يمكن من أمر فإن وجهة النظر تظل محترمة، فالاجتهاد يتسع صدره لعنصري الخطأ والصواب، وتكاد تكون كلمة فقهاء المسلمين ـ قديماً وحديثاً ـ متفقة على المصادر الأساسية في الفقه الإسلامي، وهي: الكتاب والسنة، لأن منبع المعارف والعلوم هو الكتاب المجيد، وقد استعان به علماء العربية وفقهاء الشريعة، واتخذته الفرق الإسلاميّة معتمداً للتدليل على ما ذهبوا إليه، وركن إليه الفلاسفة وأساتذة الطب والهندسة.
وقد جمع الصحابة كتاب الله بتمامه في ملف خاص أيام صاحب الدعوة الإلهية بأمر منه صلى الله عليه وآله وسلم (1). ولم يختلف اثنان في التأكيد على جمع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لكتاب الله عز وجل ـ حسب ترتيب النزول (2). وأما السنة النبوية: وهي عبارة عن أوامر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ونواهيه، وأعماله بحضرة أصحابه قاصداً تعبيد الطريق الموصلة إلى الرضوان، وتقرير الأعمال التي يأتي بها الصحابة بحضرته، فهي كالكتاب في تلكم الأهمية، والاختلاف فيها صغروي بين الجمهور والإمامية. فالسنة عند الجمهور: ما ثبت في كتب السنن المعروفة لديهم، وعند الإمامية: ما ثبت صدوره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون حصره في كتاب معين، فبين المسلكين عموم وخصوص من وجه كما يقال (3). وأما أصل وجوب الرجوع إلى السنة
___________________________
1 ـ مستدرك الحاكم 2: 611، مسند الطيالسي: 270، المخبر لابن حبيب: 286، تاريخ الشام 7: 210، فتح الباري 9: 44.
2 ـ فتح الباري 9: 43، إرشاد الساري 7: 459، عمدة القارئ للعيني 9: 304.
3 ـ ومن الجدير بالذكر أن لأهل البيت (عليهم السلام) دوراً كبيراً في حفظ السنة النبوية الشريفة وتمييز الصحيح منها عن غيره، ولذا وردتنا عن طريقهم ثروة حديثية ضخمة