ـ(140)ـ
المقدمة
اتجهت دعوة الأديان الإلهية جميعا إلى دفع المسيرة البشرية على طريق الكامل المطلق سبحانه، لتحقق بمقدار ما أوتيت من قوة وقدرة وتجربة كمالها النسبي في مجال العلم والحكمة والعدل والإبداع والجمال. وكانت الرسالة الإسلاميّة هي خاتمة الرسالات السماوية، لما تحمله من مقومات الدفع الهائلة للبشرية حتّى يرث الله الأرض ومن عليها.
والواقع أن الإسلام نهض بعملية تحرير كبرى للبشرية حين وضع عنها أصرها وما كان عليها من أغلال العبوديات الكاذبة والأوهام الفارغة والعصبيات الضيقة، وجعلها تنطلق بسرعة فائقة في ميادين الكمال البشري. وهذه الانطلاقة آتت أكلها على الساحة التاريخية وامتد عطاؤها ليشمل كلّ أصقاع المعمورة بصورة مباشرة وغير مباشرة، وليرسم للإنسانية طريق عزتها وكرامتها.
ورغم كلّ ما واجه المسيرة من عقبات الذاتيات المستفحلة، والآلهة المزيفة المتعملقة، والجبابرة الطغاة، والموجات الهمجية، وعمليات الإبادة الحضارية، ومظاهر التزييف والتخدير والتحميق والتحمير باسم الدين، رغم كلّ ذلك ظلت شعلة الدفع الكبرى متوهجة تثير الأشواق البشرية في المجتمعات الإسلاميّة نحو الفكر والمعرفة والعدل ومقارعة قوى الظلام..
وهذه العلوم الواسعة المعمقة في شتى مجالات المعرفة، وهذا النشاط الواسع في حقل التدريس والتأليف على مرّ العصور، وهذه الثورات المتواصلة رغم كلّ ما لاقته من بطش وتنكيل إنما هي تعبير عملي عن شحنة الدفع التكاملي التي أودعها الإسلام في نفوس أبنائه.