ـ(187)ـ
دام قرابة قرنين من الزمن (1096 ـ 1291م)، وبعد الهزيمة النكراء التي لحقت بالمعسكر الغربي على يد الأمة الإسلاميّة في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي، وجد زعماء الغرب والحركات والأحزاب الغربية التي تحمل في أذهانها جرثومة العداء للإسلام أن أسلوب الهجوم المسلح والغزو العسكري لا يجدي نفعاً مع العالم الإسلامي ما دام هناك فكر إسلامي أصيل يرفد قلوب المسلمين بالقوة والاستبسال، ويدفعهم للجهاد، ويزرع في أفئدتهم الأمل بالنصر. لقد أدركوا بعد أكثر من ثماني حملات صليبية واسعة أن الفكر الإسلامي لا يستأصل بالسيف أبداً، وعليهم أن يتخذوا أسلوباً آخر لمواجهته والإجهاز عليه.
وسرعان ما تبلورت في أفكارهم قاعدة تقول: "إذا أرهبك سلاح عدوك فأفسد فكرة ينتحر به !"، وقرروا توجيه ضربة فكرية هذه المرة.. فما دام الفكر هو الهدف، فلماذا لا توجه الضربات إليه بشكل مباشر لا إلى حامليه كما في المرة السابقة. وشمروا عن سواعد الجد وأخذوا يعملون ليل نهار للوصول إلى ما حلموا به بغية تحقيق الغاية التي فشلت الحروب الصليبية في تحقيقها. واقتضت خطة الغزو الجديد الاعتماد على سلاحي التبشير والاستشراق، فانهال الغزاة الغربيون أفواجاً على البلاد الإسلاميّة تحت أقنعة تقديم الخدمات الإنسانية، وتأسيس المدارس والمستشفيات، ودراسة التاريخ الإسلامي، وتأسيس معاهد وجمعيات للاهتمام بالدراسات الشرقية، ونشر المخطوطات العربية وماشاكل ذلك من الواجهات الخادعة والمضللة. وتظافرت جهود المبشرين والمستشرقين لإنجاح هذا المخطط الجهنمي الرامي إلى النيل من صرح الفكر الإسلامي وتقويض الأسس الحضارية والفكرية للعالم الإسلامي. ويمكن أن يقال بحق إن الخسائر التي لحقت بالإسلام والمسلمين على يد معولي التبشير والاستشراق لا يمكن أن تضاهيها كل تلك الخسائر التي