ـ(210)ـ
على خلافه واتضحت له المحجة في غيره أن يجادله بالتي هي أحسن ويهديه إلى سبيل الرشاد، مع حفظ الاخوة والتظافر على المودة. ثم قال رحمه الله: والحاصل ألا تفسيق ولا تضليل مع الاجتهاد والتأويل، وإن كان ليس كل اجتهاد صواباً ولا كل تأويل مقبولاً، ولكن كلامنا في ذات المجتهد والمؤول".
وهذا الامام الحافظ الذهبي رحمه الله لما ترجم لابن خزيمة في "سير أعلام النبلاء" ذكر كلامه في أن من لم يُقر بأن الله على عرشه فوق سبع سمواته فهو كافر حلال الدم وكان ماله فيئاً.. علق الذهبي على هذا الغلو بقول: "وكتابه ـ أي ابن خزيمة ـ في التوحيد مجلد كبير، وقد تأول في ذلك حديث الصورة فليعذر من تأول بعض الصفات. وأما السلف فما خاضوا في التأويل بل آمنوا وكفوا وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله، ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق أهدرناه وبدّعناه لقلّ من يسلم معنا من الأئمة رحم الله الجميع بمنه وكرمه"(1). (قلت) في هذه الترجمة برز موقفان متناقضان، موقف يمثل الغلو والتطرف وهو موقف ابن خزيمة رحمه الله وموقف يمثل قمة الاعتدال والإنصاف وهو موقف الذهبي رحمه الله.
وكل في موقفه إمام، ولكل منهما اتباع في الأمة، لكن يا ترى فمن الذي استبرأ منهما أكثر لدينه وعرضه؟!
لاشك أن الاستبراء للدين والعرض هو في الترفق بحال الأمة وعدم الوقوع في دينهم ودمائهم وأعراضهم، لأنها حمى الله في الأرض، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، وفي هذا المعنى يقول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام "فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ
______________________
1 ـ سير أعلام النبلاء 9 ـ 237.