ـ(6)ـ
تاريخهم الحديث. فلقد تجمعت عوامل عديدة خلقت في قطاعات واسعة منهم حالة الذل، وجعلتهم لا يستشعرون بعزة هويتهم الإسلاميّة، ولا بكرامتهم وشخصيتهم كأمة ذات محتوى حضاري.
وحالة الذل هذه لها أخطارها، لأنها ـ إن لم تتحوّل إلى عزة بالله ـ تدفع بصاحبها إلى أن يبحث عن عزّة سرابية يحسبها الظمآن ماء.. يتجه نحو ذوي القوة والسلطان يبتغي عندهم العزة، فيتحول إلى آلة طيّعة بأيديهم. أو يحاول أن يجد شخصيته المفقودة في الأعمال الشاذة والمواقف المنحرفة فيصبح طعمة لذوي الأهداف التخريبية الهدامة.
كثير من التيارات المنحرفة استفحلت في المجتمعات الإسلاميّة بعد أن ضمّت جماعات أذلتها الظروف، وحطمت شخصيتها، فراحت تجد تلك الشخصية المفقودة في هذه الانتماءات المنحرفة.
وكثير من النزاعات الطائفية شهدها التاريخ الإسلامي دون أن يعلم المتنازعون سببا فكريا أو فقهياً لهذه النزاعات، بل إنّ من يسمونهم بالغوغاء والعامة والسوقة دخلوا أتون هذه النزاعات ليثبتوا شخصيتهم المنتمية، بعد أن فقدوا شخصيتهم الرسالية وانتماءهم الرسالي.
هذه الفتاوى التي تصدر بين حين وآخر مكرّسة حالة الهزيمة والاستسلام، وهذه التيارات التي تنطلق مما يسمى بالحداثة فتتنكر للأصالة والتراث وتدعو بصراحة إلى تقليد الغرب.. هي كلها ناتجة عن حالة الذل الكامنة في النفوس.
ولقد أدرك المصلحون الإسلاميون هذه الحقيقة حين راحوا يرفعون أول ما يرفعون شعار استعلاء الإيمان.. واستعادة الهوية.. والاعتزاز بالتراث.. والاستهانة بالغرب وبريقه.