/ صفحه 168/
القواعد العامة للتشريع، لابل إن بعض المسائل كان يستدعي تأليف رسالة أو كتاب بأكمله، كما فعل السبكي في فتاواه، إذ ألف كتاباً قرابة خمسين من الصفحات في مسألة وقف، وسماه: (موقف الرماة في وقف حماه).
ونحن لا نعدو الحق إذا قلنا إن أغلب الكتب التي عنى أصحابها بمسائل الوقف وفتاواه كانت وليدة هذا العصر الذي كثر فيه الواقفون، وكثرت أوقافهم، وتعددت شروطهم، وتعقدت عباراتهم، وتعثر العلماء في فهم وجه الأمر فيها، لا فرق في ذلك بين مذهب ومذهب، خصوصاً في الوقت الذي كان القضاء فيه في مصر متعدداً، فلم يكن تطبيق قواعد الفقه على الحوادث مقصوراً على مذهب دون آخر، ولا بحث المسائل فيه خاصية لفقيه دون آخر، ولذلك تجد فتاوى غير قليلة من علماء جميع المذاهب في المسائل المتعلقة بالأوقاف، سواء منها ما كان للأمراء وللأفراد، وسواء منها ما كان على جهات لا تنقطع، أو كان من قبل الوقف الأهلي، حتى كان نوع التوثيق الذي كان سائداً في ذلك العصر أنموذجاً يحتذى حتى اليوم في الوثائق الخاصة بالأوقاف وشروطها ومصارفها، وإن كان قد حصل باتقنين تعديل فيها، فهو نقل من مذهب إلى مذهب، أو عدول عن قول إلى قول، مما كان معمولاً به في ذلك العصر الذي نتحدث عنه.
ولا نعدو الحق أيضاً إن قلنا إن الباب الوحيد الذي أفرد بالتأليف فتاوى وشروحاً وتعاليق، هو باب الوقف، مع أن هناك أبواباً كانت جديرة بالتأليف لنوع الحياة الاجتماعية التي كانت سائدة يومذاك، كأنواع الضراتب والجبايات ما حل منها وما حرم، لابل إن هناك أبواباً أخرى يعجب القارئ والسامع لعدم إفرادها بالتأليف، كالمسائل المتعلقة بالضمانات والغرامات والالتزامات، وإنك لتجد فيها كتباً قليلة تعد على أصابع اليد في جميع المذاهب، ولسنا بمستطيعين أن نعزو ذلك إلى سبب خاص، فهناك أسباب عدة يمكن التماسها، بعضها مادي وبعضها أدبي، يرجع لرغبة العلماء في حب الغلب، والرغبة في إظهار البلاغة والبراعة في التفريع والتخريج، مع أن الصلات المالية التي كانت تحكم العقود بين المقطعين والفلاحين ـ كما كانوا يسمونهم ـ والالتزامات العسكرية التي كانت تفرضها