/ صفحه 237/
العقلي في معارفنا التي يغلو بعضنا فيسميها عقائد تفاوتا واسع المدى، من شأنه أن يجعل الدين الواحد أدياناً مختلفة، وقد قالها بعض المستشرقين للمغفور له الأستاذ الاكبر الشيخ المراغي فضرب المثل في هذا التفاوت الواسع ببعض العلماء من القدامى والمحدثين، وبعض الطوائف الحاضرة والماضية متسائلا: مَن مِن هؤلاء هو الذي يمثل الإسلام الصحيح، وكلهم يدعي الإسلام الصحيح.
إن الأمل في تحقيق هذا الامر العظيم لمعقود بالازهر تلك الجامعة الكبرى التي أنشأها المعز لدين الله الفاطمي، فكان للشيعة فضل إهدائها للثقافة الإسلامية وتوالى عليها فضل الملوك والعلماء من أهل السنة فكان لهم فضل بقائها وازدهارها.
إن الأزهر هو الوارث الوحيد للثقافة الإسلامية، منه نبتت، وعلى أيدي شيوخه وتلاميذه ترعرعت، وهو الذي آواها حين تنكر لها الناس، وحفظ امانتها حين ضيعت الأمانات، وفي أروقته، وعلى بساطه، نثر العلم، واشتجر الرأي بالرأي وشهدت الحرية الفكرية أزهي عصورها، وأمنع حصونها، والعالم الان يرقبه فإن هو أدرك واجبه لهذا العصر، وقام بحق الدين والعلم والاصلاح والتقويم، فقد اثبت أبناؤه أنهم ورّاث هذا المجد التليد عن جدارة وفضل لاعن تشبه وتمثل، وإن تكن الأخرى فإن العالم لا يمهل المتخلفين، ولا يعذر المقصرين وما واجبه الا أن يعكف على درس علومه الدينية والعربية دراسة قوية، يكون الغرض منها الوصول إلى معرفة الحق دون تعصب ولا تحيز، وتجلية الإسلام وجميع معارفه في الثوب الناصع القشيب، الذي لم يغبر بغبار الأوهام، ولم يصبغ بغير صبغة الله.
أما الأمر الثاني: فهو العمل على جمع كلمة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وتصفية الخلافات القائمة بينهم بعرضها على كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه السلف الأول من المؤمنين، وسوف يظهر أنهم في الحقيقة متحدون غير مختلفين فالأصول واحدة، والوسائل واحدة، وما الخلاف الا في التطبيق، ولعمري إذا جاز اختلاف المسلمين في الفقه والفروع، فكان منهم الحنفي والمالكي.