/ صفحه 241/
بالوحي والالهام. فكانت سنته عليه الصلاة والسلام هي الركن الثاني بعد القرآن، وهي البيان له والتفصيل والكشف.
وقد كان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يختلفون في فهم نصوص الكتاب والسنة حسب اختلاف مراتب أفهاهم وقرائحهم (أنزل من السماء ماء فسألت أودية بقدرها).
ولكن تأخذ الأذهان منه ****** على قدر القرائح والفهوم
وقد يسمع الصحابي من النبي في واقعة حكماً، ويسمع الاخر في مثلها خلافه وتكون هناك خصوصية في أحدهما اقتضت تغاير الحكمين، وغفل أحدهما عن الخصوصية أو التفت إليها وغفل عن نقلها مع الحديث، فيحصل التعارض في الاحاديث ظاهراً، ولا تنافي واقعاً، ومن هذه الأسباب وأضعاف أمثالها احتاج الاصحاب أنفسهم، وهم الذين فازوا بشرف الحضور، احتاجوا في معرفة الأحكام إلى الاجتهاد والنظر في الحديث، وضم بعضه إلى بعض، والالتفات إلى القرائن الحالية، فقد يكون للكلام ظاهر، ومراد النبي خلافه اعتماداً على قرينة كانت في المقام، والحديث نُقل، والقرينة لم تنقل، وكل واحد من الصحابة ممن كان من أهل الرأي والرواية ـ إذ ليس كلهم كذلك بالضرورة ـ تارة يروي نفس الفاظ الحديث السامع من بعيد أو قريب، فهو في هذه الحال راوٍ ومحدث وتارة يذكر الحكم الذي استفاده من الرواية أو الروايات حسب نظره واجتهاده، فهو في هذه الحال مفتٍ وصاحب رأي، وأهل هذه المَلَكَة مجتهدون، وسائر المسلمين الذي لم يبلغوا تلك المرتبة إذا أخذوا برأيه فهم مقلدون، وكل ذلك قد جرى في زمن صاحب الرسالة، صلوات الله وسلامه عليه، وبمرأى منه ومسمع.
وإذا أنعمت النظر في هذا اتضح لك أن الاجتهاد كان مفتوح الباب في زمن النبوة وبين الاصحاب فضلاً عن غيرهم وفضلاً عن سائر الازمنة التي بعد ذلك، غاية الامر أن الاجتهاد يومئذ كان خفيف المؤنة جداً، لقرب العهد، وتوافر